سيد جابر بهبهاني - 09/06/2022م - 1:40 م | عدد القراء: 5184
يروى عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حكمة تقول "خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ"، هذه الحكمة تلخص سيرة العم حمزة عباس مقامس رحمه الله رحمة واسعة وحشره مع محمد وآل محمد، فأينما يذهب ويحل كان يترك أثرا ً طيبا ً وذكرى حسنة لا تنسى، إما بعمل صالح لله فيه رضا وللناس فيه منفعة وخير أو بحسن معاشرته بأخلاقه الراقية أو بكليهما، وما ردود أفعال الذين سمعوا بخبر رحيله للملأ الاعلى إلا دليل على هذا. عرفته منذ ان اقترن بخالتي العزيزة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي و كان سني وقتها لا يتجاوز الخمس سنوات، لم يضع السن أو الوجاهة شرطاً لحسن المعاشرة، أتذكر كيف كان يلاعبنا رغم فارق السن بيننا ونحن أطفال عند زيارته لنا في البيت أو عندما نذهب لرحلات البر في الشتاء ، أو عندما نذهب إلى مزرعته في الفنيطيس لنسبح في حمام السباحة الذي كان في المزرعة أو في البحر الذي هو قرب المزرعة ، وعندما كبرنا بدأ يوجه لنا النصيحة بالفعل قبل القول بالتمسك بالدين. كان معروفاً بالتدين منذ صغره ، والذين رافقوه في سفراته لأوروبا في بداية عمله التجاري للاتفاق مع شركات المواد الغذائية في بداية الخمسينيات يتحدثون عن حرصه على أداء الفرائض اليومية و كيف كان يحفظ نفسه من الوقوع في المعصية ، وفي آخر لقاء معه قبل سفره الأخير بأيام قلائل قال أنه لا يتذكر أنه ترك فريضة منذ بلغ سن التكليف، كان يحدثنا أنه لم يتفق مع بعض وكالات المواد الغذائية لأنه كان فيها شبهة حرام رغم المكسب المادي الذي كان سيجنيه، وفي حالات اقترح على بعض الوكالات تغيير مكونات بعض المنتجات للابتعاد عن الحرام أو حتى شبهة الحرام ، واجتهد في تأسيس أعماله التجارية هو وأخويه المرحومان فاضل ومنصور حتى اصبح اسم شركة حمزة عباس مقامس واخوانه من الأسماء المميزة في سوق المواد الغذائية. كانت تجذبه الأجواء المتدينة ويبحث عنها عندما يسافر بقصد السياحة أو العمل ، ولهذا فقد ارتبط بشبكة علاقات مع شخصيات منهم مراجع و علماء ومثقفين وناشطين في مجال العمل التبليغي، وله اسهامات في مشاريع منها جمعية الأبرار في لندن التي تأسست عام ١٩٧٥م، وبناء على اقتراح من الأخ العزيز سيد رضا الطبطبائي لتوثيق تأسيس هذه الجمعية أجريت مع المرحوم العم حمزة لقاء تحدث فيه عن تفاصيل تأسيس هذه الجمعية وكتبتها ونُشرت في موقع البشائر الإسلامية. وكذلك أجريت معه لقاء تحدث فيها عن تأسيس مسجد مقامس في الرميثية ، هذا المسجد الذي أسسه بمجهوده الشخصي وبماله الخاص من الألف إلى الياء ، وكان لهذا المسجد موقع مميز في مشاعر المرحوم الذي غبن فيه بحقه الشرعي في إدارته لفترة من الزمن ولكن عاد له هذا الحق وكان في غاية السعادة بعد أن كانت غصه، وكتبت تفاصيل التأسيس ولكن حلت علينا جائحة كورونا قبل أن اراجعها معه لنشرها في موقع البشائر الإسلامية، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لأتمم ما بدأته. يحدثنا المرحوم أنه في احدى سفراته إلى لبنان التقى بالشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر ودار بينهما حديث عن حاجة الناس إلى علماء مبلغين كالشيخ علي الكوراني حفظه الله تعالى، فقد كان المرحوم من أوائل المرتادين على جامع النقي منذ افتتاحه، وقال المرحوم للشهيد السعيد ليس لدينا الكثير من العلماء المبلغين، فلماذا لا تعمل أنت على هذا ؟ فاستجاب الشهيد السعيد لهذا على أن يدفع المرحوم رواتب طلبة العلم الذين سيختارهم، وبالفعل استمر هذا العمل لعدة أشهر والتزم المرحوم بدفع رواتبهم وقد تجاوز عددهم الثلاثين ولكن توقف العمل لأسباب امنية. وعندما غادر الشهيد السيد مهدي نجل المرجع الديني السيد محسن الحكيم رحمهما الله تعالى العراق أثر ملاحقة جلاوزة البعث له في العراق قدم إلى الكويت، فاستضافه المرحوم في مزرعته ولم يعلن عن ذلك لدواعي سرية وأمنية، لأنه الشهيد السيد مهدي كان مطلوباً لدى السلطات البعثية ويخشى من تصفيته في الكويت وإيوائه تعتبر جريمة سوف لن ينساه البعث، ولكن رغم التكتم فإن الخبر انتشر، وما إن انتشر خبر وجود الشهيد السيد مهدي في الكويت حتى توافدت الناس على مزرعة المرحوم العم حمزة مقامس للسلام على الشهيد، وطبعاً نتيجة هذا أصبح المرحوم مطلوباً للسلطات البعثية وانقطع المرحوم عن زيارة المراقد المقدسة في العراق، وعلى سبيل الممازحة قال لي "خل أروح يمكن نسوا" قلت عمي روح واجرب فابتسم ضاحكاً. كما كانت له علاقة قديمة و مميزة مع المرجع السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله تعالى، وقد ساهم في تأسيس بعض مشاريع جمعية المبرات الخيرية التي يرأسها السيد رحمه الله تعالى، وكان المرحوم سنوياً عندما يذهب إلى لبنان يستضيف السيد فضل الله عنده في البيت على الغداء، وهي من الحالات النادرة التي يقبل السيد رحمه الله تعالى دعوات مثل هذه وذلك لزحمة مشاغل السيد وكذلك لدواعي أمنية ولكنه كان يقبل دعوة المرحوم العم حمزة وذلك للعلاقة المميزة التي تربطهما. ذكريات كثيرة وجميلة مع العم المرحوم العم حمزة عباس مقامس من الصعب أو المستحيل اختصارها ببعض أسطر.. ايه يا عم.. رحلت عنا إلى رب غفور كريم يحب العفو فاعفوا عنه يا رب، وستبقى ذكراك العطرة في قلوبنا ومشاعرنا ودعائنا لك، شاء الله بحكمته أن لا تكون لك ذرية ولكنك عوضت هذا بالصدقات الجارية التي أسستها وبالسمعة الطيبة والأخلاق الحميدة التي سيترحم عليك كل من يذكرها، رحلت وسوف تترك فراغاً في جمعتنا عند أخي الكبير سيد عبدالله (بو شعيب) مساء كل جمعة كنا نأنس بك وتأنس بنا، رحلت ونسأل الله العلي القدير أن يلهم خالتنا الحبيبة الصبر والسلوان، وأعلم أنه صعب عليها ولكن بإيمانها بقضاء الله تعالى وقدره سوف يهون من حزنها إن شاء الله تعالى. لا إله إلا الله.. قبل شهر رمضان بأسبوعين فقدنا عزيزاً وحبيباً وهو أخونا محمد تقي العريان (بوذالفقار) زوج أختي الكبيرة الحبيبة، وهو نموذج آخر من نماذج حكمة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام التي ذكرتها في المقدمة، كان محباً للخير ومحباً للناس وذو سمعة طيبة عندهم بحسن معاشرته لهم، وكان ذو أيادي بيضاء في الأعمال الخيرية، وكان أيضاً صديق مقرب للمرحوم العم حمزة لأنهم من نفس الطينة في الخلق والتدين، وفي اتصال مع أختي لأقدم التعازي قلت لها "الربع راحوا ورا بعض" رحمهما الله تعالى جميعاً وحشرهم وإيانا مع محمد وآل محمد. في دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام السجاد عليه السلام يقول "وَقَدْ خَفَقَتْ عِندَ رَأسي اَجْنِحَةُ الْمَوْتِ" ولعل من معاني هذه الفقرة أو ما توحي إليه أنه عندما يرى المرء أن الأقارب والأحباب الذين من حوله ويحيطون به بدأوا يرحلون إلى بارئهم واحداً تلو الآخر.. أن هذه هي أجنحة الموت التي تخفق رأسه، رحم الله تعالى من رحل منهم وحفظ الباقين بصحة وعافية. التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0» لاتوجد تعليقات!
|