فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





هاشم عبدالمطلب الوزان - 10/07/2010م - 11:29 ص | عدد القراء: 2196




بإسم الجيل الشبابي الذي تربى على يديه الحانيتين ...

سيدي.. لن أتحدث عن مآثرك أيها العظيم.. ولن أتحدث عن فكرك أيها الشامخ.. ولن أتحدث عن مواقفك أيها الشجاع .. فها هي تملأ الأرض والسماء.. ويتحدث عنها القاصي والداني.. ويشهد بها الصديق والعدو.. فتراثك محفوظ ومدون بالكلمة والصوت والصورة.. ولكل من يريد أن ينهل المزيد من نبعك الصافي.. لا بد وأن يجد ما يرويه.. بين كل هذه المؤلفات والندوات المتوفرة في المكتبات أو على الإنترنت..

لذلك فضلت أن أتحدث بكل طبيعية وكما عودتني يا سماحة السيد منذ صغري عن أبرز مواقفي معك والتي كان لها الأثر الكبير في حياتي..

 

السيد والدعاء:

كانت فعلاً صدمة، فلم أر قط في حياتي عالماً يقرأ الدعاء بصوته للناس، فقد تعودنا أن تكون قراءة الدعاء لأحد غير العالم، لأنه ربما سيقلل ذلك من شأنه أو ربما تترك قراءة الدعاء لمن يلك الصوت الأكثر جمالاً، ولكن سماحة السيد المرجع كان يبدع في دعائه مع الله عز وجل، بالرغم من أنه لم يكن يملك أجمل صوت، لكنك حين تستمع لدعائه، تحس أنه يعيش كل كلمة يقولها، ولذلك كان كثيراً ما يؤثر في قلوب الناس وعقولها.

لقد كان القائد المثالي.. القائد الذي ليس فقط يقول ويفعل.. فهو يفعل قبل أن يقول، وهكذا حرص سماحة السيد على أن تكون للإنسان علاقته الخاصة مع الله سبحانه وتعالى، يخاطبه بما يريد، كيفما يريد، متى يريد.

كان دائماً يقول: إن كنت لا تحفظ من الأدعية المأثورة شيء، فلا يمنعك ذلك من الحديث مع الله عز وجل، خاطبه بقلبك، خاطبه بروحك، خاطبه بكلماتك العامية، فلا حواجز مع الله تعالى، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وعندما تكون قريبا من الله تعالى فإنك تستمد القوة من القوي، والعزة من العزيز، والعلم من العالم، وهكذا دون حواجز.. هكذا تستطيع أن تعيش الحب مع الله تعالى.. في علاقة محب يعشق حبيبه.. فيطيعه في كل شي.. ويحرص ألا يعصيه.. وفي المقابل يغدق ذلك الحبيب عليك كنوز الرحمة والمغفرة والرضوان والتوفيق في الدنيا قبل الآخرة.

حرص السيد أن يحيي ثقافة الدعاء والتواصل مع المولى عز وجل بكل وسيلة متوفرة، وقد أحيا فينا أهمية الأدعية الرائعة في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين عليه السلام، وحرص على تفسيرها وشرح أعماقها العاطفية والثقافية والاجتماعية، وكيف كان لكل شيء في حياة الامام السجاد عليه السلام دعاء يدعو به في مختلف الحالات، وكذلك أدعية الأيام.. هكذا يكون اليوم الإلهي.. وهكذا يكون الأسبوع الإلهي.. وهكذا يجب أن تكون حركتنا مع الزمن، وكذلك أيضاً دعاء أبي حمزة ودعاء كميل ودعاء الإفتتاح ودعاء مكارم الأخلاق.. كثيراً ما كان يؤكد عليهم.. ويستخدم مقاطع مؤثرة منهم في أدبار الصلوات، وفي مواعظ ليلة الجمعة.

 

السيد والقرآن الكريم:

أما مع القرآن الكريم، فقد حرص السيد أن يمزج الآيات مع كل خطاب يقوله، وضمن كل سطر يخطه قلمه، حيث ركز أنه هو الأساس في فهمنا للحياة.. هكذا يجب أن نقرأ القرآن، نقرأه وكأنه خطاب الله عز وجل لنا شخصياً، فنفكر إذا نشرنا المصحف بين أيدينا اليوم وبدأنا بقراءة ما تيسر لنا منه، نفكر ما الذي سيقوله لنا سبحانه وتعالى هذا اليوم، وما الذي علينا فعله تجاه هذه الكلمات الموجهة إلينا .

فعندما نقرأ آيات فيها مديح للمؤمنين، نتساءل هل يا ترى نحن منهم؟ وما الذي يجب أن نغيره من سلوكنا اليومي كي نكون كذلك؟ أو عندما نمر على آيات فيها ذم للمنافقين والمشركين، نتساءل هل ترى تشملنا هذه الآية؟ وما الذي يجب أن نحركه في حياتنا كي نبتعد عنهم ؟ ما هي جوانب ضعفنا فنقويها؟ وما هي جوانب قوتنا فنشكر الله تعالى عليها؟ وكذلك نفكر في آيات السنن الإلهية، وآيات الأخلاق، وآيات القصص والتاريخ والعلوم، ونحركها في واقعنا، ندرسها ونتفحصها، وكأننا ندرس كتابا لاختبار سنقدمه في المدرسة أو الجامعة، إنه اختبار الحياة اليومي، وها هو العليم القدير يرى عملنا ورسوله والمؤمنون .

والمتصفح لتفسير سماحته (من وحي القرآن) يجد ما أقوله جلياً واضحاً في منهجه الحركي التطبيقي الذي يركز على ربط الإيمان بالعمل ربطاً لا ينفصل أبداً، ولذلك فإن إيمان الإنسان قد يدفعه لقراءة القرآن الكريم وقد يدفعه أيضا إلى مرحلة أعمق وهي اتقان قراءته وترتيله والتدبر فيه، ولكن ذلك كله يبقى مجرد وسيلة لوصول الكلمات إلى أعماق القلب، فإنها عندما تصل هناك تتحرك أعضاء البدن صانعة التغيير في السلوك والعمل، وهكذا كان رحمه الله تعالى.. وهكذا رحل.. رحل والصلاة بين شفتيه، وذكر الله على لسانه..

 

السيد وأهل البيت عليهم السلام:

أما مع الثقل الثاني، أهل البيت عليهم السلام، فلم أر أحداً يتحدث عنهم عليهم السلام كما تحدث سماحة السيد، لقد كان يصفهم وكأنه يراهم أمامه، لقد جعلنا سماحته نفهم شخصياتهم وسلوكياتهم وطريقتهم في اتخاذ القرار أمام كل التحديات التي تواجههم سواء كانت كبيرة أم صغيرة، فقد كان يغور في أعماق الماضي ويأتي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام ألف عام إلى الأمام ليصيغهم شخصيات عصرية رائدة تمثل قمة القدوة الإنسانية في كل مجالات الحياة، بحيث نستطيع أن نفهم أن لو أنهم عاشوا بيننا كيف سيتصرفون، وبالتالي نتصرف نحن على ضوء ذلك.

هكذا كان يحيي أهل البيت عليهم السلام في قلوب الناس عاطفةً وعقلاً وحركةً.. بإنسانيتهم الراقية بعيدا عن الغلو أو الخرافة أو الإستغراق في السيرة الجامدة من أحداث وألقاب ونقش للخاتم وعدد الزوجات والأولاد وغيرها من المعلومات التي يذكرها الكثيرون ولكنك حين تقرؤها بهذا الجمود تشعر وكأنك تقرأ لأناس عاشوا في الماضي وقضوا في الماضي ولا علاقة لك بهم، بل هم القدوة الحية الراسخة لسلوكنا وواقعنا بدل الكثير من الشخصيات السلبية المفروضة علينا من خلال الأفلام والرياضة وغيرها .

لقد علمنا السيد كيف يجب أن تكون لنا علاقة شخصية يومية معهم، من خلال زيارته لهم بصوته الخاشع في أدبار الصلوات، زيارة شاملة لا يبدؤها إلا بالسلام على نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولا يختمها إلا بصاحب العصر والزمان إمامنا المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لقد علمنا كيف نزور هؤلاء الأطهار بقلوبنا قبل ألسنتنا، بحيث تشعرنا هذه الزيارات بقربهم منا وشوقنا إليهم على الدوام، هذا الشوق الذي يجعلنا حين نمر على رواية من رواياتهم الصحيحة، لا نملك إلا أن نتحرك وفق ما يحبونه ويرشدون إليه.

 

السيد والعلم:

يتبادر في أذهان معظم الشباب وفي سن مبكرة أسئلة عديدة ، يرتبط معظمها بعلاقة الدين والعلم، هل العلم الديني منفصل عن بقية العلوم ؟ وهل دراسة العلوم المختلفة جزء من العمل الاسلامي في سبيل الله تعالى؟ وهل هناك أولولية لدراسة العلم الديني عن غيره من العلوم ؟ لكنه كان يجيب إجابة الإنسان الذي يعيش عمق الواقع، ليرى آفاق المستقبل بكل صفاء، فكان يردد أن الإسلام بحاجة إلى علماء بارزين متميزين في جميع التخصصات العلمية ليس فقط في المجال الديني .

كان يؤمن رحمه الله تعالى بتكامل المعرفة، وضرورة الإستفادة من العلوم التطبيقية في الفقه وغيرها من العلوم الدينية، كما كان واضحاً في فتاواه الشهيرة حول امكانية رؤية الهلال، وتحريم التدخين، وبعض الفتاوى الأخرى المرتبطة بالتقدم العلمي في علوم الأحياء، ومن جهة أخرى، كان يشجع على ضرورة الإستفادة من المفاهيم الإسلامية من خلال القرآن الكريم وسيرة أهل البيت عليهم السلام خاصة في المجال التربوي والاجتماعي والاقتصادي، وتأصيل تلك المفاهيم في مختلف العلوم الإنسانية.

 

السيد والعقل:

أما حديثه عن دور العقل في حياة الإنسان، فقد كان لا يفوته ذكر ذلك في كل ندوة أو خطاب أو مقالة، وقد علمنا سماحة السيد كيف نحترم عقولنا، وكيف أن هذا العقل من أبدع ما صنعه الخالق، وبه عرف، وبه عرفنا الرسل، وبه نفهم القرآن الكريم، وبه نفهم أنفسنا، وبه نعرف الحقيقة.. فلا يجب أن نستسلم لأي فكرة بسبب ضغط اجتماعي هنا، أو تعصب أعمى هناك، أو أن نؤجر عقولنا لغيرنا، يفكرون لنا ويقررون كما يشاءون فنتبعهم اتباع الأنعام، لكننا يجب أن نتفكر في كل ما يدور من حولنا، فهذه هي دعوة القرآن الكريم، وقد كان سماحته كثيراً ما يؤكد على أهمية التفكر، وضرورة تخصيص جزء من اليوم أو الأسبوع للتأمل والتفكر بعيدا عن ضوضاء الحياة، فيردد: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) .

 

السيد والحوار:

عندما نأتي للحوار، نجد أن سماحة السيد كان رائد الحوار في عصره، قولاً وفعلاً وتحدياً، فقد كتب سماحته (الحوار في القرآن) وناقش الأسلوب القرآني الراقي في الحوار حتى قال أن (الحقيقة هي بنت الحوار) .

علمنا سماحته كيف نفتح قلوبنا للآخرين وكيف نحاور الجميع ونفهم منطلقاتهم، وكيف نحاور أنفسنا أيضاً ونفهمها قبل أن نحاور الآخرين، وكيف تكون المحبة والحكمة والانفتاح هو الأسلوب، والعقل وميزان الحق والعدل هو ما تقاس عليه الأمور.. كثيراً ما كان يقول: (إملك قلب الإنسان ينفتح لك عقله) .

كان قدس الله تعالى نفسه يجسد ذلك عملياً في كل لقاء نلتقي به، فالصدر الرحب والإستقبال الحنون والإبتسامة المشرقة كانت أعذب من فنجان الشاي الذي يقدمه لنا في كل لقاء، وكان هو من يبادر بالسؤال، وهو من يسأل عن الآراء، لدرجة أنه كان يقول: (فكروا معي، فقد أكون مخطئاً) .

هكذا علمنا كيف نحاوره، ونحن في صغرنا بكل تواضع منه، وهو العالم المفكر المرجع الذي تتفاطر عليه مختلف الوفود والشخصيات، وقد شجعتنا جرأة سماحته على الحوار، واختياره للحوار الهادف المنتج عنوانا لكل نقاش ندخل فيه، فقد حاورنا الملحدين والمسيحيين.. الخ.

وفي الإطار الإسلامي وفي سبيل الوحدة الاسلامية انفتحنا على إخواننا أهل السنة بكل أريحية ومحبة ولم نخسر أي علاقة مع أي شخص بالرغم من التشدد الفكري عند بعضهم، ومبادرة سماحته الأخيرة في الحوار الشيعي السلفي ما هي إلا دعوة لتقوية لحمة الإسلام، وسد نقاط ضعفه، وإخماد نار الفرقة والتعصب.

أما الذين اندفعوا في مهاجمة فكر سماحته، حاورناهم بكل هدوء، وتعقل وتسامح وبقيت علاقة الود والصداقة حتى لو لم تتفق الأفكار، فهذا ما علمنا إياه سماحته، في أقسى الهجمات التي تلقاها، وكل الأحجار التي رميت عليه، وأدمت قلبه وروحه، فكان يقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) .

 

السيد والإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف :

وفي الموقف الأخير، كنا كما الكثير من الشباب نسأل عن إمامنا، بكل عفوية ومحبة وشوق لظهوره، وقد كان السيد يقول لنا: ألا تريدون أن تكونون معه؟ لا تركزوا على مسألة توقيت الظهور، بل ركزوا كيف تدربون أنفسكم على أن تكونوا مع خط العدل في حياتكم اليومية، عندها ستكونون معه لاشك عندما يظهر، لأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فما فائدة من يعلم توقيت الظهور، لكنه لا يعرف كيف يكون الإنسان العادل في حياته، فهل يا ترى سيكون من أنصار الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره ؟

كانت كلماته: (حركوا الإسلام في حياتكم، ومهدوا لخروجه بالدعاء والعمل، وأصلحوا حياتكم، أصلحوا أنفسكم وعائلتكم ومجتمعكم هذه هي مسؤوليتكم) .

 

سيدي.. وهنا أتوقف مجبراً لمساحة الكلمة، ولكن قلبي لا يريد التوقف، فقد كنت أيها الصافي نبعاً أصيلاً من منابع الفكر الإسلامي الأصيل الذي لا ينضب، وقد نعيتك مرتين.. مرة في حياتك عندما اشتدت عليك وعلى محبيك الهجمة الشرسة الظالمة التي وصلت إلى حد الإخراج من التشيع أو حتى من الإسلام!! وقد كان الإسلام هو هواءك الذي تتنفس فيه، ودمك الذي يجري في عروقك، فكتبت أنعى فكرك، فأقول:

أبكيك قد أبكى زمانك مهجتي.. علماً بقيت وخادما للعترة

 

وها أنا ذا أنعاك مرة أخرى في مماتك فأقول معلقاً على مربينا الكبير الشيخ الوائلي رحمه الله تعالى عندما قال :

قرأتك في هذا جميعاً فبان لي.. بأنك كون لخصته سطور

 

وعلى الألحان الحزينة لجدتك الزهراء عليها السلام عندما نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفاته فقالت :

ماذا على من شم تربة أحمد.. ألا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها.. صبت على الأيام صرن لياليا

 

كتبت أقول :

إذ ذاك فضل الله كون فانطوى.. فتناثرت صحف الحياة نواعياً

 

أحبتي الشباب.. وللمستقبل أقول.. أيها الأحبة..

أيها الشباب الإسلامي الحركي الواعي.. إن العالم بحاجة إلى الإسلام.. والإسلام بحاجة إليكم.. بحاحة إلى من يرص صفوفه.. وبحاجة إلى من يقدمه إلى العالم.. بصورة يفهمها.. وتحل له أزماته ومشاكله..

سألني أحد الشباب بكل حسرة وألم وقال: (السيد راح يا هاشم) فقلت له بكل صدق وحرارة أن السيد لا يموت.. فعندما يموت الإمام الخميني أو يموت الشهيد الصدر.. سيموت السيد فضل الله..

عظم الله تعالى لكم الأجر.. وأشهد أن الموت حق..

أيها القلب الكبير.. قد يموت جسدك سيدي.. لكنك تبقى بروحك وعقلك في قلب كل إنسان عاش إنسانية الإسلام.. لن تموت يا أبا الأيتام لن تموت يا أبا المجاهدين.. لن تموت يا أبا الإنسان.. اللهم عجل لوليك الفرج !



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: