فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





عبدالهادي عبدالحميد الصالح - 20/10/2015م - 1:08 م | عدد القراء: 1883




«..فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ وَيَأْكُلُ الْجَشِبَ وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ وَسِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ وَظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَفَاكِهَتُهُ وَرَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ.. دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَخَادِمُهُ يَدَاهُ».

لا أجد قولا مأثوراً عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أقرب من ذلك ليطلق على هذا الشيخ الزاهد العالم المفكر والمربي والمجاهد.

كانت زوجته تشتكي إلى أحد تلامذته المرحوم أبو مصعب الأخ محمد خضير حبيب عن رداءة الطعام الذي كان يتقوت به، وعن عباءته المخرمة بسبب عثة الملابس القديمة، ولم نزره قط في سكن إلا أشفقنا عليه من ضيقه وبساطته..

عندما داهمه المرض وأصر عليه المسؤولين للعلاج في لندن على حساب الدولة العراقية لأنه ملك الأمة وليس ملك نفسه، كان يتحين الفرص التي يرى لا ضرورة للمبيت في المستشفى، ليبيت في أحد المراكز الإسلامية في لندن هناك تخفيفاً للتكلفة المالية.

تجول في أنحاء المعمورة في أكثر البلاد وعورة وفقراً يحمل الماء والخبز للأيتام والفقراء والمساكين ويبني لهم الدور والمساكن من زاد وكرم وأمانات المتصدقين والمتصدقات.

كان عابداً تقياً، شاهدته في الحرم النبوي للحج وهو يصلي وقانتاً طويلاً متهجداً، حتى أعياني الانتظار لأسلم عليه.

عدته في سكنه الصغير المجاور لسكن آية الله السيد السيستاني حفظه الله تعالى بالنجف الأشرف، تحدثت معه كتلميذ مع أستاذه فلما ذكر الله تعالى فاضت عيونه بالدموع.

كان قيادياً في العمل الدعوي الإسلامي، ومجاهداً ضد صدام وزمرته المجرمة وكان في قائمة الملاحقين. 

علم في أحد المرات ان اسمه غير مسجل في قائمة الممنوعين من الدخول لدى إحدى الدول الاستكبارية، فحزن وتألم لأن ذلك مؤشر "أنه مرضي عنه" .

أول سقوط الطاغیة عرضت عليه مناصب سياسية عليا نظراً لتاريخ جهاده الطويل، فرفضها.

وما كان منه إلا أن سلم جامعة المصطفى التي أسسها بنفسه، إلى مسؤولين آخرين وذهب هو إلى النجف الأشرف.

وبدأ بإنشاء دور رعاية عشرات آلاف الأيتام، وقام بتوزيع المليارات التي تصله إليهم.. بينما عاش هو عيشة أشد الناس فقراً.

وعندما نشب الخلاف المؤسف بين الدعاة، آثر أن ينسحب إشفاقاً ومحبة لإخوة دربه، وتفرغ لأعمال الخير الأخرى، لكنه لم يعتزل السياسة لأنه يعيش آلام الأمة واحتياجاتها، فلا يستطيع الصبر تجاه الأحداث ومعضلات الناس في العالم، فكان يكتب البيانات أو الرسائل أو الكتب، ويشخص الحدث ويضع الرؤية الصائبة ويدعو إليها، حتى بلغت مؤلفاته العشرات، عدا بحوثه الحوزوية فهو أستاذ قبل أن يكون مجتهداً فقيهاً.

كان يقدس الوقت، حتى انتظار المطار كان يستثمره في الكتابة المثمرة على أقرب ورقة مهملة.

عرفناه إماماً وأستاذاً وأباً روحياً في جامع النقي بالدسمة أيام السبعينيات، أذكره تماماً عندما كنا في استقباله في مطار الكويت القديم وهو ينزل من سلم الطائرة يحمل إحدى بناته ومعه رفيقة دربه أم ابتهال رحمها الله تعالى، شعرت وقتها وكأنه جاء ليحمل على كاهله مسؤولية العمل التربوي والتبليغي من بعد أخيه الشيخ علي الكوراني حفظه الله تعالى.

مازلت افتخر بهديته لي في يوم زواجي قرآناً كريماً ونسخة من كتاب نهج البلاغة، في رسالة بليغة أن الحياة لا تستقيم إلا بالثقلين: كتاب الله تعالى والعترة النبوية الشريفة، والتي كانت آخر وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع.

ولهذا كان آية الله المجاهد الشيخ محمد مهدي الآصفي يجد ويكدح ليلاً ونهاراً حتى كان موعده مع القدر فجراً ليقول له كفيت ووفيت، وحان الوقت لترتاح من هم الدنيا وشقائها.. فمضى إلى سبيل ربه راضياً مرضياً إن شاء الله تعالى.

رحمك الله أستأذنا الشيخ الآصفي، وأسكن روعتك وجمعك الله تعالى مع من كنت تحب وتتولى النبي المصطفى وآله والأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وعزاؤنا الحار إلى تلاميذه ومحبيه وذويه.. ألهمنا الله تعالى جميعاً جميل الصبر وحسن العزاء.



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «1»

28/12/2015م - 12:48 صمحمد الحلفي - العراق
السلام عليكم
ورد في مقال الحاج الصالح حفظه الله التالي:
\"وما كان منه إلا أن سلم جامعة المصطفى التي أسسها بنفسه، إلى مسؤولين آخرين وذهب هو إلى النجف الأشرف\".
والصحيح:
تم انشاء بناية لمدرسة الشهيدة بنت الهدى (رض) في قم والتي اسسها رحمه الله منذ سنوات طويلة وخصصت للدراسة النسائية.
وعندما انشئت الحوزة العلمية جامعة المصطفى(ص) العالمية في قم واصبحت شهادتها معتبرة عالميا تم تسجيل المدرسة من ضمن المدارس الممتازة للطالبات الاجانب في قم، وتم ايكال عهدة ادارتها والانفاق عليها وبمشاورة من سماحة الشيخ الى الجامعة لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد بعد الرجوع للمتولي.



اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: