فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





محمد حبيب المحميد - 25/10/2013م - 4:36 م | عدد القراء: 2471


الغايات الرفيعة لا تُنال إلا بالكدح لله جل جلاله ، فهو غاية الغايات والهدف في كل عمل المؤمنين ، ونيل رضوانه هو الفوز الذي لا فوز بعده ، أما السبيل إلى ذلك هم عترة محمد بن عبد الله النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، باعتبارهم حجج الله تعالى على الخلق فيما قالوا وفعلوا ، وبذلك كانوا القدوة والأسوة العملية في حياة الفرد والمجتمع ، للوصول لغايات الكدح والعمل ، نعم هم موجودات ملكوتية لا تنال مقاماتها الحقيقية أفهام ذوي الألباب ، إلا أنهم في حياتهم البشرية مثل أعلى لكل سائر الى الله .

لكل معصوم منهم محطات يُستسقى منها ما يروي ظمأ البشرية ، فكانت فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين عليها السلام قطب تدور حوله أفلاك الصالحات ، وهذا ما شاهدته عيانًا في حياة المرحومة بإذن الله تعالى والدتي الحاجة خديجة كاظم عبد الحسين ، اذ ارتبطت بالسيدة الزهراء عليها السلام وبعزيزتها أم البنين عليها السلام ، ارتباطًا يلتمس القدوة والأسوة لتمارس دورها في الحياة كإمرأة مؤمنة تبتغي وجه الله فيما تقول وتفعل ، هذا الإرتباط الذي جعلها تعيش مأساة الزهراء عليها السلام ومصابها ، ذارفة دموعها من قلب يشتعل حزنًا على ما جرى عليها في سبيل الله ، وكذلك شأنها مع أم البنين عليها السلام فيما عاشت من مصائب ورزايا ، حتى رحلت والدتي العزيزة وهي تندب الزهراء وعزيزتها عليهما السلام .

شهادة لله تعالى أشهدها بحق والدتي ويشاطرني في هذه الشهادة إخوتي وأخواتي؛ شهادة سنيني الخمس والعشرون التي عشتها معها ، أنها كما نقول "كفت ووفت" في تربيتها لنا وتعليمنا واعدادنا لكل خير ، وكذلك أنقل شهادة والدي العزيز الحاج "زهير عبد الهادي المحميد" في حقها إذ قال "لم أرَ من هذه الطاهرة أي أذى في حياتي" حتى أطلق عليها لقب "أم الخير" ، ولا أنسى شهادة جدي الحاج "كاظم عبد الحسين" والدها حين كان يردد "ما قثتني في حياتها ولا بكلمة" ، وكان هذا درسًا عمليًا لنا كأبناء أن نكون كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتمْ بعدها بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَ إِنْ عِشتمْ حَنوا إِلَيْكُمْ " .

في حياتها علمتني الكثير سواء قولًا وفعلًا ، لعل أبرزه الإرتباط بالله عز وجل في كل الحالات ، فكانت لا تنفك عن عباداتها ومحرابها إلا لعبادة أخرى في رعاية أسرتها وتنشأتها على هذا الإرتباط ، ولم تنسَ نصيب مجتمعها إذ كانت مربية ومعلمة للفتيات في الدورات الإسلامية ، دورات لتعليم القرآن ونشر معارف الدين وإحياء شعائر الحسين عليه السلام، حتى نشأ جيل من الفتيات على يديها لم ولن ينساها كما يُنقل لنا من أهلنا؛ مشاهد وفاء ممن تربى على يديها في حضور عزائها ، ورثائها كمعلمة ومربية لهن ، وكان من لوازم ارتباطها بالله صفات يعرفها عنها كل من عرفها ، من عفة وحياء وعزة نفس وكرامة ، وسمو على الجراحات بقلب يسامح ويصافح الجميع ، حتى وصف أخوها الأكبر الخال الحاج "حسين كاظم" قلبها أنه "أبيض يمحي كل سوء" .

ورد عن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال "الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ ، حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ" هذه الحكمة لسيد الحكمة كانت من أبرز ما علمتنيه أمي رحمها الله ، ففي أوج بلائها ومرضها كانت متبسمة في وجوه أحبابها ، تمارس حياتها بكل تفاصيلها من رعاية لأسرتها ، بقلب مطمئن بأن ما أصابها بعين الله تعالى ، كانت تخفي الكثير من معاناتها ومرضها عنا كأبنائها ، كي لا نتألم ، وأخفت كذلك عن والديها آلامها؛ التي كانت تهونها عليهم دومًا بابتسامتها وبكلمة "أنا بخير ، الحمد لله" ، حنان وعطف ورعاية تعلوها ابتسامة ، رغم البلاء والآلام والمرض ، يعني ذلك أنها صابرة وشاكرة وراضية ، وبذلك علمتني عمليًا كل ذلك .

"وكانت في حياتكَ لي عظاتٌ .. وأنت اليوم أوعظ منك حيًا" ، أستعير قول الشاعر هذا لأبين ما تعلمته من رحيلها إلى رضوان الله تعالى وجنانه ، فسنيني معها لم تكن كافية لأتعلم منها كل ما أرادت ، فعلمتني برحيلها الكثير ، فبعد رحيلها رأيت سنة الله تعالى فيمن يكتم صدقته ، إذ عرفنا بعد رحيلها أنها كانت ترعى أيتام وأرامل المسلمين في شتى البلدان ، فجزاها الله بأن صار الصالحين والصالحات يتسابقون في عمل الخير باسمها ولروحها الطيبة ، ورأيت سنة الله تعالى فيمن يكتم بلاءه صابرًا وشاكرًا ، حتى دعا لها القريب والغريب من علماء ومؤمنين ومؤمنات ، ووصلتني الرسائل من شتى البقاع المقدسة من العلماء والأصدقاء ، أنهم لم ينسوها من الدعاء والصلاة عند ساداتها وسادات الخلق أجمعين ، خصوصًا أن الله تعالى اختارها إلى جواره في يوم عرفة المبارك ، والناس منشغلة بعبادتها ، فأشرك الله تعالى والدتي في دعائهم وعبادتهم ، جزاءً لصبرها وشكرها ، وجزاء الآخرة عند الله تعالى أكبر .

نعم!.. ما زالت أمي تعلمني ، ولم ولن يهون علي ألم فراقها إلا ما تعلمته من صبرها وشكرها ورضاها بقضاء الله تعالى ، ولن أنساها ما حييت في كل صالح ، أسأل الله تعالى أن أكون لها صدقة جارية ، والحمد لله أولا وأخيرًا ، رحم الله من قرأ الفاتحة على روحها الطيبة.



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: