فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





سيد رضا الطبطبائي - 04/04/2013م - 4:26 م | عدد القراء: 3361


من المعروف أن في كل عام يقوم المسلمون بتحري هلال شهري رمضان وشوال المباركين لما لهما من أهمية كبيرة عند ثبوتهما وفقا للأحكام الفقهية والموازين الشرعية في القيام بفريضة الصوم والانتهاء منه وكذلك التحقق من الدخول في شهر شوال الذي يصادف أول يوم فيه عيد الفطر السعيد والذي يحرم الصيام فيه.

وفي جامع النقي وبعد افتتاحه أمام المصلين ووصول سماحة الشيخ علي الكوراني إماماَ ومرشداَ له من قبل المرجع الديني الراحل السيد محسن الطبطبائي الحكيم (أعلى الله تعالى مقامه الشريف) ، أصبح الجامع من المراكز المهمة التي كان المؤمنون يتوافدون عليه لمعرفة ثبوت هلال الشهرين، بل نستطيع القول بأنه أصبح المركز الرئيسي لذلك خلال فترة قصيرة، وكان سماحة الشيخ الكوراني يتواجد مبكراَ عقب صلاة العشاء لاستقبال الشهود من المؤمنين للاستماع اليهم، وجدير بالذكر أن سماحته في آخر خطبة من يوم الجمعة لشهر شعبان وقبل انتهائه بعدة ليالي وفي المحاضرات التي كان يلقيها بعد صلاتي المغرب والعشاء عادة يقوم بعرض موجز للأحكام الفقهية الخاصة بكيفية ثبوت الشهر والموازين الفقهية التي يجب مراعاتها في ذلك، وكان سماحته يحث المؤمنين ويدعوهم لتحري الهلال والادلاء بشهاداتهم لما له من ثواب وأجر من ناحية ولما له من أهمية في حياتهم العبادية وخاصة البدء بالصيام في اليوم الصحيح والواقعي والإنتهاء منه كذلك، وأيضا في تحديد ليالي القدر المباركة، والذي كما ذكرنا عند الكتابة عنها بأن الجامع كان يغص بالمؤمنين ويمتلئ عن بكرة أبيه، وبالكاد كان المرء يحصل مساحة صغيرة ليستقر فيها إذا تأخر عن الحضور لبعض الوقت.

نعود لموضوع الاستهلال واستقبال الشهود في ديوان الجامع حيث كان يمتلئ بالحضور لسماع ما سيدلي به سماحة الشيخ الكوراني بعد الاستماع إلى الشهود الذين كانوا يتوافدون تباعا للإدلاء بشهاداتهم عن رؤيتهم للهلال، وفي كثير من الأحيان كنا ننتظر إلى وقت متأخر من الليل لكي يتحدد اليوم الأول من الشهر المبارك أو يوم عيد الفطر السعيد، وأما الحضور لم يكن ليستوعبهم الديوان وكان عددهم خارجه وفي مدخل الجامع الخارجي أكثر بكثير من المتواجدين داخله، وكان الجميع ينتظر ما يقرره إمام الجامع، فمنهم من كان يعيش على أعصابه ومنهم من كان ينتظر حتى آخر لحظة، والكثير منهم كان يذهب إلى المنزل ليتصل بعد ذلك عن طريق الهاتف لمعرفة ثبوت الهلال من عدمه.

بصراحة كان المشهد ممتعاً، وكانت الاشاعات ترد من كل حدب وصوب، ولم نكن بالكاد ننتهي من صلاة العشاء حتى تبدأ وكالة يقولون بالعمل بجد واجتهاد ونشر الأخبار عن ثبوت الرؤية في المسجد الفلاني وعدم ثبوته عن زيد من العلماء وثبوته لدى غيره، أو ثبوته في أندونيسيا وفي مدغشقر وأن فلاناً قد شهد في المسجد الفلاني برؤيته وبلغ عدد الشهود عند العالم الفلاني عشرون شاهداَ، فماذا ينتظر سماحة الشيخ؟ ولماذا نتأخر أكثر من ذلك؟ ولكننا لم نكن نعير لذلك اهتماما وكنا ننتظر ما يصدر من إمام الجامع من موقف شرعي في كلمته التي كان يلقيها بعد أن ينتهي من الاستماع للشهود وما يأتي من أخبار حول الرؤية الشرعية من الخارج وخصوصا الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف.

وأما شهود الرؤية فكانوا من أعمار مختلفة وكان أكثرهم يتردد عند كثير من المساجد وأئمتها للإدلاء بشهادتهم لسنوات عديدة، وكانت شهاداتهم في كثير من الاحيان متعارضة ومتباينة، وكان منهم من يدعى الرؤية بعد غروب الشمس يميناً ومنهم من يدعي رؤيته يساراً ومنهم من يقول بأنه كان متواجداً بعد الغروب بنصف ساعة، ومنهم من يدعي بقاءه بعد الغروب بخمس دقائق فقط، ومنهم من كان يؤكد رؤيته وطرفيه إلى الأسفل، ومنهم من يدعي بقاءه حتى بعد أذان العشاء، مع أن الفلك كان يحدد بقاءه لعدة دقائق فقط بعد الغروب، كان الوضع هكذا لعدة سنوات وحتى بعد رحيل سماحة الشيخ على الكوراني ومغادرته الكويت واستقرار سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي بدلا منه إماما للجامع، وكنت دائماً متواجداً معهم في الديوان وبجانبهم وكنت أقوم بتسجيل أسماء الشهود ونوعية شهاداتهم ووضع الهلال ومدة بقاءه ومكان تواجده ولم اتذكر أن في مرة من المرات تجاوز عددهم الخمس والعشرين.

ومن الطرائف التي تساعدني الذاكرة بسردها أنه في احدى المرات جاء أحدهم للإدلاء  بشهادته عن رؤيته للهلال وكان مصراً أن يكون بحضور سماحة الشيخ الآصفي والذي أوصاني القيام بأخذ المعلومات الكاملة من الشهود حتى حضوره وبعد اصرارنا عليه للإدلاء بشهادته أفاد بأنه جاء ليقول لسماحته بأن فلاناً هو الذي رآه، وعندما طلبنا منه أن يتصل ويدعوه للحضور للديوان والإدلاء بشهادته أمام سماحة الشيخ تملكه العجب واستغرب من ذلك وقال أنه لا يعلم أهمية حضور الشاهد بنفسه أو التحدث معه مباشرة، وفي احدى المرات لم يعلن سماحة الشيخ الآصفي ثبوت هلال العيد إلا بعد يومين من ثبوته لدى الآخرين مما أثار لغطا كبيراً وموجة من عدم الإرتياح لدى الكثير من الناس وكان يصاحب ذلك نوعا من الإستهزاء والتهكم وأحياناً الشماتة والقول بأن المسجد الفلاني قد أعلن العيد وثبت لدى الآخرين فكيف لا يثبت لدى جامع النقي، ولكن ثبت بعد ذلك أن موقف سماحته كان صحيحا من الناحية الشرعية وكان متفقاً ومماثلاً لموقف مراجعنا العظام في الحوزات العلمية الشريفة وخاصة حوزة النجف المباركة، ومن العجيب أن بعض الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم حول الرؤية قبل ليلة لم يستطيعوا رؤيته الليلة الثانية وثبت العيد بعد ذلك بإكمال العدة.

نعود لموضوع مكانة وموقع وتأثير جامع النقي بشأن رؤية هلال شهري رمضان وشوال المباركين، فقد كانت الاتصالات تنهال علينا لمعرفة موقف الجامع من ذلك وكان عدداً كبيراً من العلماء في منطقة الخليج ومن الحوزات العلمية يتواصلون معنا حتى الدقائق القريبة من الفجر، علاوة على الاتصالات التي كانت تردنا من أفريقيا وأمريكا وأوروبا، وحتى الاتصالات الداخلية كانت تردنا من جميع مناطق الكويت وكان كل ذلك بفضل التحري الدقيق، والتحقيق المتواصل وعدم الإنجرار  وراء العاطفة وتلبية مطالب الناس خارج اطار الموازين الشرعية والأحكام الفقهية، وأيضا لارتباط الجامع بمراجع الدين وخاصة في حوزة النجف الأشرف.

بعد الانتهاء من مراسم وتطورات ومتابعة الهلال كنا نعد الميكرفون لسماحة الشيخ لإعلان الموقف الشرعي من ذلك وكان الجميع ينتظر بكل شوق ويترقب باشتياق لما سوف يدلي به خاصة بعد فترة طويلة تفسح المجال لشتى أنواع الإشاعات والأخبار المتباينة وما يصاحب ذلك من أعصاب متوترة لدى الكثيرين وهنا كان يأتي دور إمام الجامع لوضع حد لكل ذلك ليرتاح بعده المؤمنون، أما بالنسبة لنا نحن القريبين من سماحته كنا نعلم النتيجة قبل إعلانها، وكان كثير من الأخوة الأعزة يستفسرون عنها من بعيد عن طريق الاشارة بأصابع اليد، وكنا في بعض الأحيان نتلاعب بأعصابهم ونشير بأصبعنا إلى سماحته وبأنه هو الذي لديه كلمة الفصل.

بعد الإعلان بمدة غير قصيرة كان الكل يغادر المكان لكي يستعد للصيام أو العيد في حال الثبوت أو الإنتظار ليوم آخر .

ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى أنه في حالة ثبوت شهر رمضان الجميع كان يتهىء لاستقباله وكنا نحن في الجامع نستعد للبرنامج الخاص به وليالي القدر المباركة والتي كانت تقام لثلاث ليالي وهي التاسع عشر والواحد والعشرين والثالث والعشرون منه وبعد ذلك تطور لكي تصبح لياليه خمسة تبدأ من ليلة التاسع عشر إلى ليلة الثالث والعشرون وبعد سنوات قليلة امتدت مراسم  ليالي القدر إلى ليلة التاسع والعشرين، وأما في حالة ثبوت هلال شهر شوال بعد يوم واحد من ثبوته لدى الآخرين أو في نفس اليوم كنا ندعو المؤمنين إلى المشاركة في اقامة صلاة العيد من خلال الخطبة التي كان يلقيها إمام الجامع في الديوان بعد ثبوت الهلال أو عدمه ومن خلال تعليق إعلان في مدخل الجامع يبين ساعة إقامتها وكذلك من خلال المكالمات الهاتفية التي كانت تردنا طوال الليل.

وبعد الإنتهاء من صلاة العيد كان المصلون يتبادلون التهاني مع إمام الجامع ومع بعضهم البعض وكنا نوفر وجبة خفيفة في صحن الجامع لمن كان يود تناولها، وكان إمام الجامع بعد ذلك يتوجه للديوان لفترة بسيطة ثم نتوجه مع بعض الأصدقاء لتهنئة بعض الأصدقاء وعلماء الدين والوجهاء في دواوينهم المعروفة.



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: