فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





سيد جابر بهبهاني - 17/05/2012م - 10:16 ص | عدد القراء: 5219225


أحد مظاهر الروح الوطنية العالية والمخلصة التي برزت عند الاحتلال البعثي الآثم لوطننا العزيز الكويت في أغسطس 1990م، هو انخراط المواطنين الكويتيين شيبة وشبابا ذكوراً وإناثاً في أعمال كانوا يترفعون عن القيام بها، كتصليح السيارات والأجهزة الكهربائية والتمديدات الصحية وغيرها، بل أكثر من هذا فقد زاولوا مهن كانوا يعتبرونها دونية قبل الاحتلال لا تقوم بها إلا العمالة الوافدة، كجمع القمامة من الشوارع وأعمال التنظيف، وقد أدوها بكل كفاءة وروح معنوية عالية.

لقد رأيت بأم عيني كيف كان يعمل بعض الشباب الكويتي في منطقة الجابرية (قام الاحتلال بتغيير اسم المنطقة إلى الأحرار) وبكل حماس على سيارات جمع القمامة بعد أن امتلأت بها الشوارع والبيوت، فانتشرت الروائح الكريهة والحشرات ولولا مبادرة هؤلاء الشباب لانتشرت معها الأمراض، فواحد كان يقود سيارة جمع القمامة، والاثنين الذين يتوليان جمع القمامة ورميها في السيارة كانا يقفان على مؤخرة السيارة.

في الأسبوع الثالث من الاحتلال اتصل بي تلفونيا د. إبراهيم بهبهاني الذي كان يعمل مع الهلال الحمر الكويتي ليبلغني بأن مستشفى مبارك يعاني من نقص شديد في التمريض و بقية الخدمات، وذلك بسبب مغادرة العمالة الوافدة، وطبعاً الأطباء المتطوعين في أجواء كهذه لا يمكنهم ممارسة طبهم في معالجة المراجعين، وإذا استمر هذا الوضع فإن مستشفى مبارك ستتوقف عن تقديم الخدمات الطبية، وطلب د. ابراهيم مني دعوة إدارة ولجان حملة الحاج كاظم عبد الحسين (حملة التوحيد الكويتية) ومن أعرفهم من الشباب للتطوع لسد هذا النقص، وعدته خيراً وقلت له قبل أن أبدا الاتصال لابد من أحضر إلى المستشفى لأعرف ما هو المطلوب، وهذا ما كان.

عند دخولي من باب مستشفى مبارك الخارجي أول ما لاحظته هو أن قوات الاحتلال غيرت الاسم من مستشفى مبارك إلى مستشفى صدام، ورأيت العمالة الوافدة تخرج من باب الطوارئ أفواجاً.. أفواجاً ذاهبين إلى سفارات بلادهم لتدبير وسائل نقلهم إلى أوطانهم، وكانت قوات الاحتلال تسيطر على المستشفى، فأفراد الجيش تحرس بالخارج وعناصر المخابرات تعبث في الداخل.

التقيت د. إبراهيم في غرفة بجانب باب الطوارئ من الخارج أعدت للهلال الأحمر الكويتي، وعلى الفور اصطحبني في جولة داخل المستشفى، ولم يكن بحاجة لبذل جهد كبير ليطلعني على حالة الفوضى التي كانت تعم والحالة المزرية والتعيسة التي كانت تسود، فالمستشفى من قذارتها هي أشبه بحظائر تربية الماشية، وفي غرفة الغسيل جبل من الملابس وأغطية الأسرة والبطانيات بارتفاع ثلاثة أمتار، وغرف العمليات وأدواتها الجراحية بدون تعقيم، والمرضى والجرحى في الأجنحة تخدم نفسها بنفسها، ودورات المياه لك أن تتخيل وضعها بعد أسبوعين بقيت من دون تنظيف، ولا يوجد أحد عند باب الطوارئ لاستقبال الحالات الطارئة لنقلها داخل المستشفى، والأطباء في حالة إرهاق للنقص الشديد في عددهم وعدد الممرضين.

بدأت فوراً في الاتصال بأعضاء لجان الحملة ودعوتهم للتطوع للعمل بمستشفى مبارك، وطلبت منهم دعوة من يرغب من المواطنين للتطوع، علما بأن الاتصالات كانت تتم بواسطة التلفونات الأرضية، لأن التلفونات النقالة في ذلك الوقت لم تكن منتشرة، وحتى خدمات تلفونات السيارة الثابتة انقطعت بسبب تدمير شبكة الاتصالات، واتفقت مع د. ابراهيم على أن تكون غرفة الطوارئ والتي إلتقيته بها مكتب لإدارة المتطوعين، وهي نفس الغرفة التي كان يجتمع بها أعضاء جمعية الهلال الأحمر الكويتي.

وفي هذا يقول الأخ العزيز أحمد كرم: "عندما تم استدعائنا من قبل أخي وعزيزي السيد جابر لبينا الدعوة على الفور، وقدمنا المعونة كل حسب إمكانياته ولا نزايد على أحد في ذلك، فكل من ساهم في هذه الأعمال الوطنية في ذلك الوقت قدمها حتى لا تتوقف الخدمات للشعب الصامد في وطنه" .

ويقول الأخ العزيز سامي العلي : "لما تم استدعائنا للتطوع للعمل في مستشفى مبارك كنا قلقين بأن نكون نحن من هو بحاجة إلى العون، لأننا سوف نشاهد مناظر لم نعتد عليها (كالجرحى والشهداء وغيرها) ، ولكن بالتوكل على الله عز وجل وبتوفيقه استطعنا أن ننجز المهام المكلفين بها" .

وبحمد الله تعالى استطعنا خلال ساعات قليلة وباتصالات مكثفة من الأخوة أعضاء لجان حملة التوحيد أن نشكل فريق عمل يتكون من 50 متطوع ومتطوعة كانوا من مختلف الأعمار أصغرهم لا يتجاوز السادسة عشر، فيهم الطالب والمهندس والكابتن (طيار مدني) والمدرس وغيرها من الوظائف.

تم تقسيم المتطوعين إلى ثلاث مناوبات كان أطولها وأصعبها مناوبة الفترة المسائية من السابعة مساءً إلى السابعة صباحاً وهي فترة حظر التجول الذي فرضها الاحتلال، وأصعبها لأن درجة الخطورة فيها مرتفعة بسبب انتشار عمليات المقاومة في المساء، وطبعا جرحى وقتلى هذه العمليات كانت ترد المستشفى والذي كان يستقبل هذه الحالات هم المتطوعون.

والمهام التي تم توزيعها على المتطوعين حسب اختيارهم هي: استقبال ونقل المرضى والجرحى من باب الطوارئ إلى داخل المستشفى ـ الخروج مع سيارات الإسعاف في حالات الطوارئ ـ مساعدة المرضى والجرحى في الأجنحة ـ تنظيف الممرات والغرف والحمامات ـ تعقيم معدات وملابس العمليات ـ غسيل وكي ملابس المرضى وأغطية الأسرة ـ تصوير شهداء المقاومة والاحتفاظ بها للتعرف عليها من قبل أقربائهم.

من الذين تولوا مهمة استقبال ونقل المرضى والجرحى وأيضا الخروج مع سيارات الإسعاف للحالات الطارئة الأخوين محمد وأحمد كرم جوهر وسامي العلي وعيسى خليل وعبد الله غضنفري، وكان يجلسون عند باب الطوارئ وجهاً لوجه لأفراد الجيش الصدامي وكان هذا يعرضهم للمخاطر، ففي أحد الأيام أتت إحدى المواطنات تبحث عن أحد أقربائها وهي تصيح وتبكي وأخذت تشتم صدام وتلعنه، طبعا تسببت هذه الحالة في توتر الأجواء، وكادت أن تحصل أمور لا تحمد عقباه لولا تدخل الأخوين أحمد ومحمد كرم جوهر وعملا على تهدئة الأجواء.

ويروي الأخ العزيز احمد كرم.. أنه في أحد الأيام وبينما هو في مناوبة استقبال المرضى جئ بمواطنة وقد بان عليها أعراض الولادة (الطلق) ، فأسرعت بها وذويها معي لنقلها على الكرسي المتحرك إلى جناح الولادة، ونحن في المصعد لم تصمد المواطنة وبدأت بالصراخ من ألم الطلق فالولادة أصبحت وشيكة فساعدتها وذويها لتجلس على أرضية المصعد، وفور أن انفتح باب المصعد أسرعت واستدعيت الممرضات والدكتور وأجروا اللازم والله سلم.

ويروي الأخ العزيز سامي العلي.. أن في أحد الأيام كنا كالعادة جالسين بوضعية استرخاء مستندين على الحائط أمام باب الطوارئ نتبادل الأحاديث ونضحك، فقدم إلينا أحد ضباط الحرس الجمهوري ونحن لم نعر له انتباها (مو معطينه وجه) ، فسئلنا عن وظيفتنا فقلنا له نحن من موظفي جمعية الهلال الأحمر، فرد علينا بغضب وبنبرة حادة مهددا "هذه قعدة موظفي هلال الأحمر" ، فعدلنا جلستنا فوراً وشعرنا وكأننا تلاميذ في المدرسة.

ومن الحالات الطريفة أيضا أن الأخ العزيز محمد كرم رأى أحد جنود الجيش الصدامي يتوضأ خطأ، فبادر بوحسن بتعليمه الوضوء الصحيح، فشكره الجندي ونصحه قائلاً "يابه زينوا لحاكم والله باكر يقولون عنكم حزب الدعوة ويقتلونكم".

ومن المواقف الصعبة التي تعرض لها الأخ العزيز أحمد كرم أنه في الفترة التي بدأت قوات الاحتلال بالبحث على الأجانب الأمريكيين والأوربيين لاعتقالهم، دخلت سيارة سوداء مسرعة تجاه باب الطوارئ ولم تتوقف إلا على بعد 10 سنتمتر من ركبتي ونزل منها ضابط من قوات الاحتلال ومعه رجل أجنبي يصرخ من الألم والدماء تسيل منه وتم نقله داخل المستشفى لعلاجه، وبقي جندي آخر في السيارة لحراسة رجل أجنبي آخر وقد بانت على وجهه آثار الضرب المبرح .

أما من تولى غسيل وكوي جبل الملابس وأغطية الأسرة والبطانيات بارتفاع ثلاثة أمتار في غرفة الغسيل الأخوة الأعزاء طالب ورقية وسكينة غضنفري، وسيد كمال بهبهاني والمرحومة معصومة بهبهاني، وخالد الصفار، ومكية ومدينة درويش. وقد عملوا بكل جد اجتهاد ولا يمكن تصور حجم هذه الجهود إلا من رأى صعوبة ظروف العمل، فالجو في ذلك المكان كان ساخن بسب أجهزة الغسيل والكوي، ولا يحتاج أن أصف الملابس وأغطية الأسرة والبطانيات الملوثة بالدماء وغيرها من مخلفات الجرحى والمرضى.

ويصف الأخ العزيز عماد أشكناني وهو أحد المتطوعين لمساعدة المرضى والجرحى في الأجنحة شعور المرضى والجرحى عندما باشروا بأداء مهماتهم، يقول أنهم قالوا له ولمن يعمل معه "انتوا نزلتوا علينا من السما" ، لأن الكثير منهم كانوا بحالة مزرية فهم لا يستطيعون الحراك لوحدهم ولابد من مساعدتهم.

ويقول الأخ العزيز أحمد كرم عن تأدية هذه المهمة: "كنت أنظف الجروح بعد العملية وكذلك تغيير الضمادات للمرضى والجرحى، وتخيل نفسك وأنت تنظف وتغير الضمادات على يد أو رجل مبتورة، وأيضا كنا نقوم بتنظيف الأواني المخصصة لقضاء الحاجة (البول وغيره) كم كان الموقف صعبا ؟ ولكنه يهون لأجل الوطن" .

وكانت تعقيم أدوات الجراحة من نصيب الأخ العزيز سامي العلي وكان لابد من تدريبه على هذه المهمة، لأنها متعلقة بأدوات وأجهزة تتطلب عناية وحذر في التعامل معها، وهو كان يعمل أيضا مع بعض الأعضاء في تزوير هويات (رخص قيادة، بطاقات مدنية، تغيير أسماء وجناسي) للملاحقين بسبب وظائفهم كالعسكريين في الداخلية والدفاع، أو من هم من أفراد المقاومة، مستخدمين في ذلك آلة تصوير صغيرة كانت موجودة في مكتب الهلال الأحمر.

أما رجل المهمات الصعبة الأخ العزيز بوجلال (إسماعيل سلطان) فقد ساعد في استقبال المرضى والجرحى مع الأخوين أحمد ومحمد كرم جوهر، وبالإضافة إلى هذا تولى صيانة الكراسي والأسرة المتحركة، فقد كان أكثر من خمسة عشر كرسي متحرك غير صالحة للاستعمال قام هو بإصلاحها لكي تكون صالحة لخدمة المرضى.

ومن المواقف الطريفة التي حدثت لبو جلال أنه كان يحرص على أن يأتي للمستشفى في الصباح الباكر قبل الساعة الثامنة، ولكن أحد الأيام تأخر فيها ولم يأتي للمستشفى، ولما سألته عن السبب قال أنه كان واقفاً بسيارته عند أحد حواجز التفتيش للجيش الصدامي وبينما هو يجاوب على أسئلة الجندي تجاوزت سيارة أخرى حاجز التفتيش ولم تقف، فغضب جندي الجيش الصدامي وضرب بقوة على سيارة بو جلال، فقال بو جلال للجندي "إيه يبه ماكو حكومة" ، فكان جزاءه أن يقف بالشمس لأكثر من ساعة.

في الأيام الأولى من الاحتلال ازداد عدد الوفيات سواء من المرضى أو من شهداء المقاومة، وكان الاتصال بذوي المتوفين صعب للغاية، أولاً بسبب عدم التعرف على أسماء المتوفين خصوصا شهداء المقاومة، وثانياً حتى إذا عرفت الاسم لا يمكن التعرف على رقم تلفون أو عنوان ذوي المتوفي.

وكنتيجة لهذا ازدحمت بهم الثلاجة المخصصة لحفظ جثث الوفيات والتي عملت بأقصى طاقتها ولم تعد قادر على استيعاب المزيد، فتقرر أن يتم تصوير المتوفين الذين لم يسأل عنهم أحد ومن ثم أخذهم إلى المقبرة ودفنهم ووضع علامات على قبورهم، وكان يتم الاحتفاظ بالصور في مكتب إدارة المتطوعين حتى يتم التعرف عليهم، بالفعل تم التعرف على الكثير منهم عندما راجع ذويهم.

ويروي في ذلك الأخ العزيز سامي العلي أن من شدة قسوة الحرس الجمهوري الصدامي أنه عندما تأتي سيارة الإسعاف حاملة أحد شهداء المقاومة الكويتية يحضر المحقق الصدامي ويقوم بإحصاء عدد الرصاصات التي اخترقت جسد الشهيد ، فلما سألته عن السبب قال "لكي نطلب العوض بعددها من المخازن الأسلحة" ، وخلال هذه المعاينة كانت تأتي الشهيدة سميرة معرفي مع الكاميرا وتصور الشهداء لكي تنقل للخارج مدى فظاعة ووحشية قوات الاحتلال الصدامي في تعامله مع المواطنين الصامدين.

يقول الأخ العزيز أحمد كرم: "كنت في المناوبة الصباحية التي تبدأ الساعة السابعة صباحا عندما استدعاني د. إبراهيم بهبهاني وطلب مني تصوير أحد شهداء المقاومة لتوثيق هذه الحالات، وكانت هذه أول مرة أدخل فيها المشرحة وقبل التصوير وأخذ البصمات ساعدت الدكتور المناوب بتنظيف وجه الشهيد من الدماء، وكانت الكاميرا من النوع الفوري القديمة".

استطاع المتطوعون وخلال يومين إنجاز هذه المهام بكل كفاءة ونشاط ونجحوا في إعادة الخدمات المساعدة للمستشفى بطاقة 50 %، وهو الحد الذي سمحت به قوات الاحتلال لأن أكثر من هذا الحد سوف تفقد المخابرات الأمنية سيطرتها على المستشفى، وهذا الإنجاز يعود لإخلاص هؤلاء المتطوعين لوطنهم، ولكفاءتهم ولخبرتهم ولاعتيادهم على العمل بروح الفريق في أداء المهام الموكلة إليهم، وقد اكتسبوا كل هذه المهارات من خلال ممارستهم للعمل التطوعي في لجان حملة التوحيد للحج لمدة تقارب العشر أعوام.

تم هذا الإنجاز رغم الظروف الصعبة التي كان يعيشها المواطن الكويتي في ظل احتلال وطنه الغالي الكويت، فمن الناحية المعنوية يكفي أن يرى تدمير ونهب وطنه، واستباحة دماء وأعراض أبناء وطنه.

ومن الناحية الحياتية كان على المواطن أن يلاحق الحاجيات الأساسية للمعيشة يومياً من مواد غذائية وتنظيف وغيرها، التي لم تكن متوفرة كما كانت قبل الاحتلال نتيجة عمليات السرقة والنهب التي قامت بها قوات الاحتلال، وعلى سبيل المثال لكي تدخل السوق المركزي للجمعية عليك الانتظار في طابور، وإذا دخلت تجد أكثر من نصف الأرفف خالية، وإذا وجدت السلع التي تحتاجها فالعدد محدود ولا يمكنك أخذ أكثر مما هو مسموح .

أما من الناحية الأمنية فأنت تحت المراقبة فكل حركة أو كلمة حتى ولو بدون قصد محسوبة عليك، والإعدامات لأبطال المقاومة كانت تتم أمام أعين ذويهم، هذا غير قصص التعذيب التي كان يرى آثارها على جثامين شهداء المقاومة، والمداهمات الأمنية للبيوت تجعل من الأسرة تعيش في حالة رعب إذا تركها معيلها للتطوع في الأعمال التي تخدم الوطن، ولكي يصل أقرب متطوع للمستشفى كان لابد له من المرور على الأقل على حاجزين أو ثلاث من حواجز التفتيش التي نشرتها قوات الاحتلال (نقاط سيطرة) ، واضعاً في الاعتبار حالة التوتر التي يعيشها الجندي الصدامي فالشمس الحارقة فوق رأسه وهو في الشارع بلا قوت ولا مأوى ورصاص المقاومة تمطر عن يمينه وشماله ومن بين أرجله.

بعد أسبوعين فقط من العمل في مستشفى مبارك أصدرت المخابرات الأمنية للاحتلال أمرا يمنع بموجبه عمل المتطوعين في عموم مستشفيات الكويت، خصوصاً بعدما أن علمت بأن المتطوعين الذين يعملون في المستشفيات الكويتية تقدم يد العون لأبناء المقاومة، ومما أكد على هذا وعجّل على صدور أمر المنع هو تصريحات بعض المسئولين الكويتيين في الخارج بأن شباب المقاومة سيطروا على المستشفيات.

كان عندما يصل جرحى المقاومة إلى المستشفى يعمل المتطوعون على أخذه إلى غرفة العمليات بعيداً عن أنظار عناصر المخابرات، ويبادر أطباء المستشفى إلى علاجه ومن ثم أخذه إلى الجناح إذا كانت حالته تستدعي، أو إخراجه بنفس الطريقة التي أدخلوه بها وتسليمه إلى أفراد المقاومة وفي ذلك حدثت قصص كثيرة، وقد ساعد على ذلك أروقة وممرات المستشفى الملتوية والمعقدة.

ويروي في ذلك الأخ العزيز سامي العلي: "أنه بعد أن صدرت تعليمات من قوات الاحتلال بالقبض على الأجانب وخاصة الدبلوماسيين، وفي أحد مناوباته جئ بأحد المصابين وهو ملفوف بالقماش حتى وجهه كان لا يرى، وتم إخباري بأنه يجب أن يدخل المستشفى دون أن تلحظه أجهزة المخابرات ولا بد لي من مرافقته لأنه دبلوماسي ولا يعرف العربية، وتمكنا من إدخاله المستشفى ومعالجته وخرج من المستشفى دون أن يلحظه أحد" .

وقصة أخرى من هذه القصص أنه أوتي بأحد أفراد المقاومة وهو مصاب بجراح خطيرة بفكه، ولعلاجه أجرى له د. إبراهيم بهبهاني عملية جراحية وأدخل الجناح، وبعد أيام من العملية تقرر إخراجه من المستشفى لنقله خارج الكويت لاستكمال العلاج، والمشكلة كانت أنه كيف يمكن إخراجه من دون أن تلاحظ المخابرات جراحه لأنه سيعلمون بأنه من المقاومة، فكانت الخطة أن يوضع على السرير النقال وتسير بجانبه إحدى الممرضات الكويتيات، وإذا رأت أحد عناصر المخابرات أو الجيش تلقي بنفسها عليه لتغطي جراحه وتبكي على أساس أن هذا أخيها، وبالفعل نجحت الخطة وتم إخراج الجريح من المستشفى.

كان لابد من التعامل مع عناصر المخابرات لتسهيل عمل المتطوعين في المستشفى منها تقديم بخاشيش لهم باسم هدية، وكانت من أفضل الأشياء التي تقدم لهم كهدايا هي فيديو أو كاميرا أو تلفزيون، ويروي الأخ العزيز أحمد كرم: "أن د. إبراهيم بهبهاني طلب منه جهاز فيديو نوع ناشيونال الذهبي VHS   لأنه كان الأكثر انتشارا في وقتها ليقدمها لمدير المستشفى وكان عسكري برتبة عميد من الجيش الصدامي مقابل تسهيل تهريب بعض الأدوية المستخدمة في العمليات الجراحية التي كان يطلبها أبطال المقاومة، حيث كانت تتم إجراء بعض العمليات في البيوت وذلك حفاظا على سلامة الجرحى من الاعتقال" .

وعلى أثر قرار منع المتطوعين من العمل المستشفيات بدأت عناصر مخابرات الاحتلال بملاحقة ومضايقة المتطوعين، وفي هذا يقول الأخ العزيز طالب غضنفري: "أنه في أحد الأيام تركت غرفة الغسيل وصعدت إلى الطابق الأرضي لأستريح، وهناك التقيت بأحد المتطوعين الذي أخبرني بأن المخابرات تبحث عنكم، فأسرعت إلى غرفة الغسيل وأخبرتهم وطلبت منهم مغادرة المستشفى حتى لا يتم القبض عليهم، وهذا ما حصل".

بعد انسحابنا من مستشفى مبارك بثلاثة أشهر تم اعتقال د. إبراهيم بهبهاني لمدة ثلاثة أسابيع، وقد كان هو حلقة الوصل بين المقاومة وبين مجموعة المتطوعين في مستشفى مبارك، وقد انتابني القلق الشديد طوال مدة اعتقاله، وكان المصدر الأساسي لهذا القلق هو لو أن د. إبراهيم كشف عن الأسماء التي تطوعت للعمل وتم اعتقالي هل سأصمد أمام وسائل التعذيب الوحشية في عدم الكشف عن بقية الأسماء التي تطوعت للعمل ؟

ولهذا عمدت إلى إخفاء كشف بالأسماء التي تطوعت للعمل في مستشفى مبارك، ولا زلت أتذكر رقم خمسين وهو رقم آخر اسم تطوع للعمل، وبعد تحرير الكويت طلب د. إبراهيم هذا الكشف وعلى أساسه منحت هذه الأسماء العضوية في جمعية الهلال الأحمر الكويتية تقديرا منها للعمل الوطني الذين قاموا به، كما وثق د. إبراهيم هذه الأسماء في كتابه المباهلة الصادر عام 1992م، وهو كتاب يوثق فيه د. إبراهيم الأعمال التطوعية أثناء الاحتلال الغاشم لوطننا العزيز الكويت.   

أود أن أكد على أن ما ذكرته هي ليست الحقيقة كاملة بل هي بعض مشاهدها، وذلك لأنها لم توثق في حينها أو على الأقل بعيد تحرير الوطن الغالي، أما وقد مر على هذه الأحداث ما يقارب اثنان وعشرون عاماً فإنه من الطبيعي أن يسقط من الذاكرة الكثير من مشاهدها، لذا استعنت ببعض الأخوة الذين ساهموا في هذا العمل الوطني الذين أيضا ذاكرتهم لم تكن أفضل حالاً،  لذا أرجو من كل من ساهم بهذا العمل الوطني أن يكتب ذكرياته عنه وعن الدور الذي قام به وإرساله على البريد الإلكتروني لشبكة البشائر الإسلامية.

وطني الكويت سلمت للمجد     وعلى جبينك طالع السعد

 

أسماء بعض المتطوعين ممن تسعفني الذاكرة:

أحمد الجزاف - أحمد كرم جوهر - إسماعيل سلطان حسن - أسامة عبد الرضا سفر - جابر سيد خلف البهبهاني - حسين كاظم عبد الحسين - خالد ابراهيم الصفار - رضا غلوم غضنفري - رقية غلوم غضنفري - سالم عبد الرضا سفر - سامي محمد العلي - سكينة غلوم غضنفري - شيبة إبراهيم بن شيبة - صادق كاظم عبد الحسين - طارق جاسم المحميد - طالب غلوم غضنفري - عادل عبد الرضا سفر - عارف قاسم أبل - عبد الله غلوم غضنفري - علي منصور غلوم حسين - عماد مراد حاجي أشكناني - عمار إبراهيم جمال - عمار كاظم عبد الحسين - عيسى خليل عاشور - فرج عبد الصمد فرج - فرج موسى فرج - فؤاد جواد أبو الحسن - كمال سيد خلف البهبهاني - محمد إلياس خدادة - محمد عبد الرضا سفر - محمد عبد الله علي جمعة - محمد كرم جوهر - مدينة درويش - معصومة سيد خلف البهبهاني



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: