سيد رضا الطبطبائي - 23/06/2020م - 4:13 م | عدد القراء: 7944
للرجال تاريخ ومواقف يجب ذكرها والحفاظ عليها وعدم الاكتفاء بحفظها في الصدور خوفاً أن تمر عليها رياح النسيان وتجرفها آفة الإهمال وتصبح جزءاً من العدم بموت أصحابها ورحيلهم من هذه الدنيا الفانية، وخاصة إذا كانت المواقف في دائرة ضيقة لا يعلم بها إلا القليل.. القليل، وبالأخص إذا كانت تتناول أموراً في غاية الحساسية ولا يرضى حتى أصحابها البوح أو التحدث عنها والكشف عن تفاصيلها حال حياتهم. من هؤلاء الرجال وأصحاب المواقف فقيدنا العزيز المرحوم العم أبوعلاء النائب والوزير السابق حبيب حسن جوهر حيات الذي انتقل إلى جوار ربه صباح يوم الثلاثاء الموافق 16/6/2020، والذي كنت أكن له كامل الاحترام والود خاصة لما كان يتمتع به من شخصية مرحة ومرنة ومتواضعة وخدومة وأخلاق عالية بعيداً عن عقد التكلف وبروتوكولات التصنع. في هذه العجالة أرى من الواجب علي أن أشير الى موقف من مواقف فقيدنا المرحوم الحبيب أبوعلاء.. الحبيب في صحبته والحبيب في تواضعه والحبيب في أخلاقه والحبيب في حديثه، وقد كان موفقاً من أسماه (حبيب) لأنه بكل جدارة اسم على مسمى. نعود إلى الذاكرة عن الغزو الصدامي المشؤوم لدولتنا الحبيبة الكويت في 2/8/1990 حيث كان فقيدنا المرحوم وزيراً من ضمن الحكومة الكويتية والتي كان مقرها مدينة الطائف. كنت في ذلك الوقت أقيم مع أسرتي في مدينة نوتكهام البريطانية مع عدد من الأسر الكويتية ومن ضمنهم الأخ العزيز النائب السابق عبدالمحسن جمال وأسرته الكريمة، وكنا على اتصال دائم مع العم المرحوم الحاج كاظم عبدالحسين حيث كان يقيم في دولة الإمارات، وكنا نتشاور في كثير من الأمور الخاصة بما يجري على الساحة العالمية والإقليمية فيما يتعلق بتحرير دولة الكويت من الكابوس الصدامي وما يمكن طرحها من المطالب ومناقشتها مع الحكومة الكويتية وبيان وجهة نظرنا في ذلك، ودورنا في عملية التحرير وما يمكن أن نقدمه في هذا المجال، وكانت الآراء متشعبة والتوجهات والمطالب متنوعة، ولا يفوتني أيضاً أن أذكر بأن العم المرحوم الحاج كاظم عبدالحسين كان يزور لندن خلال هذه الفترة، وكنا نتداول في أمور كثيرة وبعضها في نطاق خاص ضيق بجانب بعض الأمور التي كانت تطرح للبحث والمناقشة بشكل عام مع المواطنين الكويتيين المتواجدين هناك ومن ضمنهم شخصيات معروفة لدى المجتمع الكويتي. كان رأيي الشخصي أن ما يقوم به إخواننا المتواجدين في الكويت وفي لندن وفي الإمارات وفي غيرها من الدول من أعمال ونشاطات تستحق التقدير وخاصة في هذه الظروف الصعبة والإمكانات البسيطة، وأننا في مرحلة لا ينبغي علينا أن نطرح المطالب التي كنا نطرحها في الكويت قبل الاحتلال، وأن الظروف الاستثنائية التي نمر بها تستدعي تأجيل مثل هذه الأمور وعدم إثارتها، وأما الأمور الأخرى والتي تتعلق بتحرير دولة الكويت وكيفية التحرير فهي بيد الله تعالى، وأن هذا الملف أصبح من اختصاصات مجلس الأمن والدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. كانت الآراء متطابقة في ذلك وموقفنا واحداً، ولكن بعد أن بدأ الهجوم الجوي الذي شنته قوات التحالف على قوات النظام العراقي لتحرير دولة الكويت وخلال اتصال هاتفي بيني وبين المرحوم العم الحاج كاظم عبدالحسين، ناقشنا موضوع الأخوة الذين كانوا في السجون السعودية بعد أحداث مكة المكرمة عام 1989م، وهل من الممكن الإفراج عنهم وآلية ذلك، وأذكر بأنني قلت له بأن أفضل ما يمكن أن نقدمه في هذه المرحلة هو تحقيق هذا المطلب وخاصة ان الظروف مواتية لعمل ما في هذا المجال، واستقر الأمر على أن يقوم هو بطرح الموضوع على الوزير حيات والطلب منه بأن يفاتح سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح في أقرب فرصة، وسارت الأمور على ما يرام، وتم أخذ الموافقة من سموه على ذلك، وقال بأنه سيطلب من الملك فهد الإفراج عنهم في أقرب فرصة ممكنة، وبعد فترة تم ابلاغي من قبل الحاج كاظم بأن رد فعل الملك كان إيجابيا وأضاف بان ذلك سيكون بعد تحرير دولة الكويت. ودخلت العمليات العسكرية مرحلة أخرى وهي مرحلة دخول قوات التحالف الدولي الأراضي الكويتية والعراقية لإخراج القوات الغازية وطردها وكان بعد ذلك ثمرتها تحرير كامل التراب الكويتي من الغزو في 26/2/1991. بعد ذلك بدأت الأحداث والأخبار تتسارع ومن ضمنها استعداد الحكومة الكويتية المتواجدة في الطائف لدخول الكويت وإدارة أمور الدولة من هناك، وكان من برنامج الحكومة الكويتية قبل مغادرة الطائف اللقاء مع الملك وشكره على ما بذله من مساهمات في عملية التحرير وعلى جميع الأصعدة المتعلقة بها. عند ذلك وفي اتصال بين وبيني المرحوم الحاج كاظم عبدالحسين تم الحديث عن مواعيد دخولنا الكويت بعد أشهر من المنفى وتم الحديث أيضا في موضوع اطلاق السجناء بعد أن أبدى الملك استعداده لذلك من قبل، وكان رأينا أن هذا اللقاء يمثل فرصة ذهبية لتذكيره بالموضوع من جديد، وأخبرني الحاج كاظم بأنه سوف يتصل بالوزير حيات لكي يوعز لسمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بالأمر وبالفعل تم ذلك، وفي هذه اللقاء قام الوزير حيات بإبلاغ سموه ليقوم من جانبه بتذكير الملك بموضوع السجناء، وسارت الأمور على ما يرام حيث أخذ سموه وعداً من الملك بأن يتم اطلاق سراحهم بعد مغادرة الحكومة الكويتية إلى الوطن المحرر، والملك خاطب ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بأنه توكلوا أنتم على الله وسوف تجدونهم بعد ذلك عندكم مع أسرهم، وبالفعل تم اطلاق سراحهم ووصلوا إلى الكويت وكان في استقبالهم على الحدود الشيخ سالم صباح السالم كما أخبرني به أحد أقرباء بعضهم وسرد بعض تفاصيل ذلك الاستقبال ولا أريد الآن أن أتناول بالتفصيل لأني لا أريد الخوض في ذلك، ولأنني لا أملك المعلومات الكافية بشأن الاستقبال لاستمرار وجودي وعائلتي في بريطانيا بعد التحرير لعدة أشهر، وعلى كل حال يمكن الاستعانة بالأخ الفاضل الذي أشرنا إليه، وأضيف بأنه شرح بالتفصيل وقائع الاستقبال ولكن من الأفضل أن نترك له المجال بسردها لأنه عاشها بنفسه إذا وافق على ذلك في القادم من الأيام. أيها الأحبة، كان من الواجب علي سرد هذا الموقف وفاء لما قام به النائب والوزير السابق المرحوم حبيب حسن جوهر حيات بعملية إطلاق سراح السجناء، وكم من فرحة أدخلها في قلوب أقربائهم وكثير من الأخوة المؤمنين والأخوات المؤمنات الذي كانوا ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر بعد فترة طويلة من الدعاء والطلب من الباري عزوجل بإطلاق سراحهم. وأخيراً أود أن أنوه وأطلب من الأخوة الآخرين الذي تابعوا الموضوع وكانوا قريبين منه وعايشوه أن يدلوا بدلوهم في هذا المجال، ولا أستطيع الزعم بأنني الوحيد الذي يملك كل معلوماته، وأضيف أيضاً بأن ما قيل مضى عليه ما يقارب من ثلاثة عقود، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون الذاكرة قد أسعفتني فيما كتبته. وجدير بالذكر أن ننوه إلى أن الوزير حيات الذي كان عضواً في مجلس الأمة وفي حكومات كويتية لسنوات عديدة كان مشهوداً له بالأخلاق والتفاني بالعمل وبأمانته وإخلاصه ونزاهته، وروى لي أحد الأخوة بأن الحكومة وضعت تحت تصرفه ميزانية بلغت عدة ملايين من الدنانير أثناء الغزو الصدامي الغاشم لدولة الكويت، لكي يقوم بالسفر إلى الدول الأفريقية التي لغتها الرسمية اللغة الفرنسية واللقاء مع رؤساءها وحكوماتها لشرح ما تعرضت لها دولتنا الحبيبة من كارثة الغزو وأخذ موافقاتهم لتأييد وجهة النظر الكويتية في المحافل الدولية في مواجهة الاحتلال، وعند انتهاءه من جولته هذه قام بإرجاع ما تبقى من هذه الميزانية إلى الدولة، وكان موضع إجلال وتقدير لنزاهته وأمانته من قبل رئيس الحكومة والوزراء. وفي الختام نتضرع إلى الباري عزوجل أن يتغمد فقيدنا المرحوم العزيز بواسع رحمته، ويجعل ما قام به في هذا المجال في ميزان أعماله، وأن يحشره مع النبي المصطفى (ص) وآله الطيبين الطاهرين (ع) في مقعد صدق في جنان الخلد، آمين يا رب العالمين. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0» لاتوجد تعليقات!
|