فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





سيد جابر بهبهاني - 12/12/2019م - 1:51 م | عدد القراء: 1545


من ضمن مناسك الحج ذبح أو نحر الهدي يوم عيد الأضحى، وهو منسك يتطلب نوعاً من الدقة في اختيار الأضحية لتتطابق مع المواصفات الشرعية، ومن ثم ذبح الأضحية حسب الطريقة الشرعية، ولذلك من يريد أن يؤدي هذا المنسك يجب يكون على دراية في كيفية اختيار الأضحية اولًا ومن ثم كيفية ذبحها.

 

اضافة إلى ذلك لابد له من معرفة الطرق بين المزدلفة ومنى وموقع رمي الجمرات فيها، ثم موقع المسلخ، وهي بالطبع ليست قريبة من بعضها البعض، فالمسافة تبعد بينها عدة كيلومترات، وكذلك لابد له من أن يتمتع بصحة جيدة تمكنه من القيام بجهود متواصلة قد تمتد إلى أربع أو خمس ساعات علاوة على ما في  الشمس الحارقة وزحمة السيارات والتي في أغلبها سيارات النقل العام أو شاحنات التي تثير الغبار والديزل.

 

وأما الفوضى التي تعم المسلخ فهذا حديث آخر، إذا لابد من المشي على الذبائح والغوص في دمائها حتى يصيح أحدهم على قاعدة  "يا الماشي بدرب الزلق لا تأمن الطيحة" وخصوصاً عندما تنتعل نعالًا مكشوفاً لا يسمن ولا يغني من اصابة أو استقرار، والسكاكين من حولك يتلاعب بها القصابون لا ترى إلا بريقها وكأنك في معركة من معارك الداحس والغبراء، ومن يسلم من كل هذا فإنه لا يسلم من التيه أو الوقوع في حفرة من حفر المراحيض وكأنك تسير في حقل ألغام.

 

وحملة التوحيد التي أخذت على عاتقها تنظيم أداء مناسك الحج لكي تؤدى بطريقة شرعية وخالية من الاصابات والتيه وببذل مجهود أقل ووقت أسرع، شكلت لجنة لتنظيم أداء هذا المنسك "لجنة الذبح" ، تتكون من بعض أعضاء الحملة ومن الحجاج المتطوعين، تؤدي هذه اللجنة مهمتين رئيستين الأولى اختيار الأضاحي ويتم هذا عادة في الخامس من ذي الحجة، والمهمة الثانية ذبح الهدي يوم العيد .

 

ترأس هذه اللجنة لسنوات عديدة أخونا العزيز د.جاسم الحسن المحمد علي وهو البرفسور في اختصاصه الأكاديمي، ولكن تواضعه وحبه للعمل الخيري التطوعي جعله يتجاوز الرسميات التي تقيد المتخصصين بل يؤديها بكل ود وممنونية ، فهو الذي يتولى متابعة أداء مهام هذه اللجنة من أول يوم تصل فيه الحملة مكة المكرمة، وعادة ما يكون في الأول من ذي الحجة، و يقوم بشرح مهام هذه اللجنة للحجاج ويعلن عن فتح باب التسجيل لمن يرغب من الحجاج للتطوع للانضمام لهذه اللجنة في يوم العيد .

 

وللدكتور جاسم حقيبة يدوية يحتفظ بها بعدة الذبح (ما يقارب الثلاثين سكيناً التي تم اختيارها مسبقاً بعناية والتي تساعد على سرعة ذبح الهدي مع عدة سن السكاكين) ، فبمجرد وصوله مكة المكرمة يستخرج العدة لتنظيف السكاكين وسنها، ويلازمها من يوم عرفة إلى ما بعد الانتهاء من الذبح يوم العيد، ويحرص هو على حمل هذه الحقيبة رغم ثقلها أثناء تنقل الحملة من عرفات إلى المزدلفة إلى منى إلى المسلخ، وبعد الانتهاء من الذبح يقوم هو بغسل السكاكين والحقيبة ويحفظها لموسم الحج القادم .  

 

وكما ذكرنا فإن المهمة الأولى للجنة هي اختيار الأضاحي حسب المواصفات الشرعية، ويقوم بهذه المهمة عادة بالإضافة للدكتور جاسم، العم المرحوم الحاج كاظم عبدالحسين وناصر الحسن وحيدر غضنفري والمرحوم عبدالمحسن المتروك، وهؤلاء يتحملون أعباء شاقة جزاهم الله خيراً، فهم خلال خمسة أيام يؤدون عمرتين، الأولى عمرة مفردة عندما يقدمون مع الحملة لكي يتمكنوا لاحقاً من الخروج من مكة والذهاب الى المسلخ الذي يقع في وادي محسر لاختيار الأضاحي ويميزونها بلون خاص أو يضعونها في جاخور خاص لكي لا تختلط ببقية الأغنام ويكون عادة هذا في اليوم الخامس أو السادس، وبعد الفراغ من هذه المهمة يذهبون إلى الطائف  للإحرام لعمرة التمتع ويعودون لمكة المكرمة ويؤدون بقية أعمال عمرة التمتع .

 

في اليوم التاسع من ذي الحجة في عرفات تعقد لجنة الذبح اجتماعاً مع كل الأعضاء المتطوعين للعمل بهذه اللجنة لتأكيد ما تم شرحه لهم سابقاً في مكة المكرمة، وهي عمل اللجنة في أداء مهامها، تبدأ هذه الحركة من يوم العيد في المزدلفة حيث تنفصل اللجنة في حركتها عند الشروق عن الحملة متوجهة إلى الجمرات التي تبعد عن المزدلفة 5 كيلومتر، وسبب الانفصال لكي تكون حركتها أسرع في الوصول للجمرات .

 

بعد فراغ اللجنة من رمي العقبة الكبرى تعود مرة ثانية في نفس الطريق لتقطع مجدداً مسافة 5 كيلومتر ثانية لتصل إلى المسلخ، ثم تقوم بالذبح عن نفسها، ولأن التقصير لا يجوز إلا في منى ووادي محسر خارج منى، لذلك تضطر اللجنة العودة إلى حدود منى للتقصير والاحلال من الاحرام وارتداء الثياب المخيطة التي غالباً ما تكون رياضية وقد اتى بها اأاعضاء بناء على توجيه من لجنة الذبح لهم لتسهل حركتهم أثناء عملية الذبح ولتحميهم من الاصابات، ثم تعود اللجنة إلى الجاخور المخصص لهدي الحملة بإنتظار خبر من الحملة يفيد بأن جميع حجاج الحملة قد أتموا رمي جمار العقبة الكبرى.

 

وما أن يأتي خبر إتمام الحجاج رمي الجمرة الكبرى حتى تنطلق عملية الذبح بكل حماس ونشاط رغم الجهود التي بذلت منذ تحركهم من المزدلفة وحتى وصولهم إلى المسلخ، وتقسم اللجنة لأداء هذه المهمة إلى أربعة فرق، فريق الذباحين ويكونون عادة 5 ـ 6 أفراد ولكل ذباح مساعد ليمسك الذبيحة ويجعلها في اتجاه القبلة، وفريق آخر مهمته أن يأتي بالأضحية من الجاخور ويسلمها لمساعد الذباح ويكون عددهم كذلك من على الأقل 6 أفراد، وفريق الخدمات يتكون من 4 أفراد يتكفلون بتوفير المياه لجميع الأعضاء، وفريق لا يزيد عن الثلاثة يتحمل مسؤولية قوائم أسماء الحجاج حيث يتم قراءة اسم الحاج ليردد الذباح الاسم معه ثم يقوم بالاشارة على الاسم الذي تم الذبح عنه .

 

تستمر عملية الذبح لمدة لا تزيد عن الساعة وربع الساعة تعمل اللجنة خلالها بكل حماس وتحدي في كسر المدة القياسية (المدة الذي أنجزت فيه الذبح) للعام الذي سبق هذا الموسم، تعمل اللجنة خلال هذه المدة كخلية النحل وفي تناغم مع دور كل فريق، الذباح يطلب تغيير السكين، وهذا ينادي أين الذبيحة، وذاك يطلب أن يقرأ اسم الحاج، والخدمات توزع الماء على العاملين، وعند ذبح آخر الهدي تنطلق صيحة الفرح، وتكون كصيحة جمهور النادي العربي عندما يسجل هدف الفوز في مرمى نادي القادسية في الدقيقة الأخيرة، وتكون اللجنة قد أتمت ذبح 400 أضحية 350 لحجاج الحملة و50 لبعض المؤمنين من خارج الحملة بناء على طلب منهم .

 

بعد الانتهاء، ينطلق أحد أعضاء اللجنة إلى الجمرات ليخبر حجاج الحملة المنتظرين عند الجمرات بأنه قد تم الذبح عنهم، وعندها يمكنهم التقصير، أما أعضاء لجنة الذبح فالتعب والعناء يتحول لديهم إلى فرح ومرح ومزاح رغم أنهم ملطخين بالدماء والغبار وروث الغنم من قمة رأسهم إلى أخمص قدميهم ويبدئون بغسل أيديهم ووجوهم، وأما ثيابهم فلا ينفع معها لا المنظفات ولا المطهرات ولا السدر ولا الكافور ولا الماء القراح ويكون مصيرها لفها بكيس ورميها في أقرب زبالة.

 

ولقد تم اختصار بعض خطوات لجنة الذبح مما وفر الكثير من الجهد والوقت فصار الانتهاء من الذبح والتقصير الساعة 9 صباحاً بدل الساعة 30 : 11 ظهراً، وذلك عند  استخدام الهواتف النقالة، والسماح بالذبح في المسالخ الخاصة بعد نقل المسلخ المركزي من وادي محسر إلى منطقة المعيصم الذي يبعد 10 كيلومتر عن الجمرات، اضافة إلى هذا وبناء على اقتراح من  إدارة الحملة تطوع بعض أعضاء الحملة وخصوصا من لهم دراية في اختيار الهدي وذبحها بأن يؤدوا العمرة المفردة فقط ولا يحجوا ليتفرغوا لأعمال الحملة وخصوصا أيام العيد ومنها ذبح الهدي .

 

كانت اللجنة الدينية هي المسؤولة عن اعداد قوائم أسماء الحجاج بعد أن تأخذ منهم وكالة للذبح عنهم، وكان هذا يتم في مكة المركمة قبل الذهاب لعرفات فكان الحاج يعطي الوكالة للجنة الدينية ويدفع قيمة الأضحية، وعادة ما كانت اللجنة تفرز قائمة خاصة للسيد فضل الله رضوان الله تعالى عليه مع مرافقيه ليؤدوا مناسكهم في وقت مبكر، لكن في احدى السنوات وقعت هذه القائمة سهواً ولم يتم الذبح عن السيد فضل الله مما اضطره للبقاء محرماً إلى اليوم الثاني، ومن خلق السيد الرفيع أنه لم يغضب ولم ينفعل، بل ولم ينطق ببنت شفه وحافظ على هدوئه وسكونه.   

 

كانت من الأمور التي تربك عمل اللجنة هو تسابق الحجاج القادمين من أفريقيا على أخذ الذبيحة، فكانوا أولا يسببون الزحام في المكان المخصص للذبح الذي هو أصلاً ضيق، وهذا يعيق تناول الذبائح، وثانياً كانون يسحبون الذبيحة، مما يسبب في عدم استقرارها وتغيير اتجاهها عن القبلة، وكنا نبذل جهداً في ابعادهم يصل إلى حد التصادم معهم، إلا في احدى السنوات حيث كان من أعضاء اللجنة المتطوعين اللاعب المرحوم سمير سعيد رحمه الله تعالى والذي أوكلنا إليه بناء على طلبه مهمة تنظيم هؤلاء الحجاج المزاحمين لعمل اللجنة، فما كان منه إلا أن أمسك بعصاة ورتبهم في طابور ليأخذوا الذبيحة حسب الدور، طبعاً استغربنا كيف تمكن رحمه الله تعالى من أن يقوم بهذا ونحن الذي عجزنا عن ذلك لسنوات عديدة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: