فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





الشيخ مهدي الهزيم - 29/11/2019م - 12:45 م | عدد القراء: 1281


تلقينا في هذه الأيام نبأ وفاة الأخ العزيز والمؤمن الدكتور صالح ناصر الدلال رحمه الله تعالى، أحد الشباب المؤمنين والمغترب لطلب العلم منذ عام ٢٠٠٥م تقريباً، ومن الذين كانوا في يوم من الايام من شباب هذا المسجد المبارك - جامع الامام الحسين عليه السلام - حيث نشأنا وتربينا وتعلمنا.
 
لا أطيق خطابة الرثاء لمن كان يوماً صديقاً قريباً ولمن عشنا معه أجمل محطات العمر وأنقاها وهي الطفولة والصبا مع كل ما فيها من نشاط ومودة وأخوة وشقاوة، ولا يمكن لي أن أرثي صاحباً عاشرته لسنوات - تصل إلى عشر سنوات -.
 
و لكن الوفاء يلزمني بأن أتكلم بكلمات:
 
عرفت الدكتور منذ سنوات وجودنا في هذا المسجد المبارك والذي له فضل كبير في تنشئة أجيال من الشباب المؤمن، وكان بيننا تقارب عمري وفي الميل جعلنا قريبين جداً؛ فالفارق العمري هو سنة واحدة والميل عندنا هو الاتجاه الثقافي، فتواجدنا معاً في الفرق التربوية وشاركنا معاً في المسابقات الثقافية في الفرقة و في اللجان الثقافية.
 
في السنوات الأخيرة من وجوده هنا - في الكويت قبل ذهابه للدراسة في الغربة - كنا معاً في لجنة الاذاعة في مخيم الغدير.
 
وفرقت بيننا الغربة الطويلة التي قضاها الدكتور (ما يقارب الـ ١٥ سنة) مع بقاء التواصل المستمر حيث الحديث عن قضايا الساحة الإيمانية وـحوال المؤمنين والأمور الثقافية والفقهية.
 
كان آخر سفرنا معاً في ٢٠١٦م لسنوية المرحوم الأستاذ عبدالعزيز صبيح بوفتين رحمه الله تعالى، وها هو الموت يفرق بيننا فراقاً ليس فيه لقاء في هذه الدنيا.
 
أتحدث هنا في أمور شاهدتها من هذا الشاب العزيز:
 
١- ارتباطه بالقرآن الكريم: 
كان لأسرته الدور الكبير في هذا الأمر فهو من المشاركين في الأنشطة القرآنية منذ الصغر واستمر بالاهتمام بالقرآن الكريم، فكثيراً ما كان يقضي وقت الراحة في البرامج والأنشطة والمخيم بقراءة القرآن الكريم، حتى إنك كلما ركبت معه السيارة ستسمع دائماً صوت المنشاوي فهو دائم الاستماع والقراءة للقرآن الكريم لذا فقد كان يتمتع بثقافة وحفظ قرآني.
 
٢- التميز و التفوق و النبوغ: 
صالح كان دائماً من المتميزين في الجانب العلمي والثقافي، ولذلك هو تخرج من الثانوية بمعدل عالي جداً وحصل على مركز متقدم في تحصيله العلمي ثم أكمل دراسته في الطب واستمر في التحصيل العلمي طوال هذه السنوات، وكما يقول عنه من يعرف في هذا الجانب أنه أول كويتي يتخرج من جامعة بريطانية بطب الأسنان ثم يدخل جامعة بريطانية أخرى ليحصل على بكالريوس الطب البشري ليتخصص جراحاً للفك.
 
التميز والنبوغ هو عطية إلهية والإنسان هو من يقوم بتفعيلها والاستفادة منها عبر بذل الجهد.
 
بالاضافة إلى ذلك هو لم يكتفِ بتحصيله العلمي الأكاديمي بل كان على مستوى ثقافي عالي في الجانب الثقافي العام والديني.
 
٣- الالتزام الديني: 
كان على مستوى عالٍ من الأخلاق والسلوك والالتزام الشرعي والفقهي، فرغم طول هذه السنوات في الغربة بقي محافظاً على إيمانه وتدينه رغم وجوده في بيئة بعيدة عادة عن الأمور الدينية الإسلامية، وهو قبل فترة (بتاريخ ٢٢-١٠-٢٠١٩) تواصل معي ليسألني مسألة بخصوص (الدريب) حيث وضعوه له في المستشفى فكان يحرص على أن يلصقه بيده بأقل كمية من (اللزاق) حتى لا يسبب حاجب وفي نفس الوقت لا يسقط الدريب و هذا يدل على التزام دقيق بالمسألة الشرعية.
 
٤- التواضع: 
إن الالتزام الديني دون وجود الأخلاقيات الحسنة يعتبر نقصاً بل الاخلاق جزء لا يتحزء من هذا الالتزام، ومن افضل الصفات الأخلاقية صفة التواضع وأفضل التواضع هو التواضع حين تكون فعلاً ذا مكانة عالية، وهذا الأمر لا تجده عند الكثير خصوصاً ونحن نتكلم عن شخص مميز بامكاناته ثم تميز بالاستفادة من هذه الامكانات فبلغ مرتبة علمية عالية. في علاقتك معه لا تجده يظهر شيء من ذلك بل حتى ما يقدمه من خدمة وسأتحدث عنه في النقطة التالية هو دليل هذا التواضع ايضاً.
 
في سفرنا الأخير معه وحين أبلغني برغبته بالحضور معنا تخوفت أن لا يلاءمه الوضع لأنه كان قد تغيب عنا لسنوات وأصبح دكتوراً فتناقشت مع سماحة الشيخ علي بوشهري أنه سيكون معنا ولا أعرف ما هو (بريستيجه) الحالي وهل تغير أو لا؟ وهل سيتأقلم مع وضع فنادق العراق ومع الشباب معنا بالرحلة؟ فقررت أن أكون أنا والشيخ معه في نفس الغرفة، و لكن بعد أول يوم من السفر تبين لي أن (صالح هو صالح) قبل أن يكون دكتور وبعد أن يكون بل هو كان أكثر تأقلماً من بعض شبابنا ومنا، حتى أنه هو الذي بادر في العلاقة مع الشباب الذين يصغرونه سناً وأقل منه على المستوى الأكاديمي.
 
أن تجتمع صفات النبوغ والاجتهاد والتواضع في شخص فهي عملة نادرة.
 
٥- خدمة الناس: 
و هي الصفة التي ينقلها عنه الكثير واكتشفها الناس حين فقدوه وليست أي خدمة بل خدمة في ظرف الغربة والدراسة الصعبة مع ما تمثله من طوق نجاة للطالب المغترب.
 
في هذه الخدمة لم يكن يريد منها مقابل لذلك كانت أكثر الأمور التي تضايقه وكانت محل نقاش بيني وبينه هو الدخول في الشأن الانتخابي لا لشيء إلا لأنه كان يعتبره تكسب غير مقبول.
 
أن تقدم سكنك ومالك ووقتك وراحتك لأجل الآخرين ولا يعلم بذلك إلا رب العالمين ثم أنت والشخص الذي استفاد منك فهذه هي الخدمة الحقيقية.
 
رحم الله العزيز الدكتور برحمته الواسعة، وخالص العزاء لأهله و محبيه وخصوصاً لوالده العزيز الدكتور ناصر ولإخوانه الأعزاء المهندس عيسى والدكتور شعيب، وأسأل الله تعالى أن يحفظهم ويلهمهم الصبر ويسكن قلوبهم ويعقبهم لحزنهم وصبرهم الأجر العظيم والعطاء الجزيل.
 
وإنا لله وإنا إليه راجعون


التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: